في الوقت الذي تُسمع فيه أصداء الغارات ليل نهار فوق سماء غزة، آخرها الضربة التي استهدفت مدرسة تحوّلت إلى ملجأ وأودت بحياة 23 مدنيًا، يعاني مئات من مرضى الفشل الكلوي مصيرًا أكثر هدوءًا، لكنه قاتل بالبطء نفسه، فالحصار الإسرائيلي المشدَّد ومنع الإمدادات منذ مطلع مارس الماضي، أدى إلى شلل شبه تام لمنظومة غسيل الكلى، وأسفر بالفعل عن وفاة أكثر من 400 مريض، أي نحو 40 % من إجمالي المرضى في القطاع. البنية التحتية العلاجية وقبل الحرب كان في غزة سبعة مراكز لغسيل الكلى تضم 182 جهازًا، ستة من هذه المراكز دُمِّرت كليًا أو جزئيًا بفعل القصف، ولم يبقَ سوى 102 جهاز يعمل في ظروف يائسة، مع أعطال مستمرة ونقص حاد في المرشِّحات والأدوية الأساسية، وهذا الدمار ترافق مع أوامر إخلاء متلاحقة أخرجت المرضى من منازلهم، ومنعتهم من الوصول المنتظم إلى جلساتهم المنقذة للحياة. مأساة إنسانية ويؤكد الطبيب، غازي اليازجي، رئيس قسم الكلى في الشفاء، وفاة 417 مريضًا منذ اندلاع الحرب بسبب الجلسات الناقصة وتوقف الأدوية، محذّرًا من أن «ارتفاع السموم وتجمّع السوائل يؤديان إلى مضاعفات قاتلة». وهناك بعض المرضى يقطعون مرتين أسبوعيًا طريقًا مليئًا بالحفر والركام من مأوى مؤقت إلى مستشفى الشفاء؛ للحصول على جلستين قصيرتين بدلاً من ثلاث جلسات معيارية، لا تتجاوز كل منهما ثلاث ساعات بدل أربع. الحصار كسلاح حرب ورغم المناشدات الدولية، تواصل إسرائيل إغلاق المعابر وتقييد دخول الغذاء والوقود والإمدادات الطبيّة، مبرّرةً ذلك بأنه «تكتيك ضغط» على حماس لإطلاق سراح الرهائن. ووصفت فرنسا وألمانيا وبريطانيا ذلك بأنه «غير مقبول» و«لا يُطاق»، مؤكدة أن القانون الدولي يُلزم إسرائيل بالسماح بمرور المساعدات من دون عوائق. وجاء في البيان الأوروبي: «يجب ألا تُستخدم المساعدات الإنسانية كأداة سياسية، ويجب ألا تُقلّص مساحة الأراضي الفلسطينية أو تُخضع لأي تغيير ديموغرافي، وإسرائيل مُلزمة بموجب القانون الدولي بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية دون عوائق»، لكن التصريحات رفضها المتحدث الإسرائيلي، أورين مارمورشتاين، مدعيًا عدم وجود نقص فعلي في الإمدادات، خلافًا للوقائع على الأرض، حيث أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار بشن قصف مفاجئ على القطاع، أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين. ووسّعت القوات البرية منطقة عازلة على طول الحدود، وحاصرت مدينة رفح الجنوبية، وباتت تسيطر على نحو 50 % من مساحة القطاع. وتقول إسرائيل إن العمليات العسكرية وتشديد الحصار تكتيكات للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن، وتقول منظمات الإغاثة إن آلاف الأطفال يعانون من سوء التغذية، وأن معظم الناس يعيشون على وجبة واحدة أو أقل يوميًا. بالإضافة إلى الغارة على المدرسة، أفاد الدفاع المدني، وهو جهاز إسعاف أولي تابع لحكومة حماس، بانتشاله أربع جثث من غارات على منزلين في المنطقة نفسها، وأصابت غارة أخرى منزلًا شرق مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل الفتاتين التوأم، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. انعكاسات رفض الهدن ورغم المبادرات كالمبادرة المصرية‐القطرية لوقف القتال، تتضمن هدنة بين خمس وسبع سنوات وانسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من غزة مقابل إطلاق الرهائن، لكن التعنّت الإسرائيلي واشتراط «تدمير حماس أو نزع سلاحها» يُجهض المساعي حتى اللحظة، بالنسبة لمرضى الكلى، كل يوم إضافي بلا هدنة يعني مزيدًا من الوفيات التي لا تُوثَّقها عدسات الكاميرا. شهادات من قلب الألم وهناك عدد من القصص تُظهر أن الموت البطيء قد يُخفيه غبار القصف، لكنه يرسّخ جريمة الحصار كأداة قتل جماعي صامت، حيث يقول أحد مرضى الكلى«لا أشعر بأي تحسّن بعد كل جلسة»، بينما يروي أحدهم معاناته بأنه نزح ستّ مرات منذ أكتوبر، وصار مقعدًا على كرسي متحرك بسبب الوهن وسوء التغذية. جريمة مستمرة إن استمرار القصف على مرافق صحية –بما فيها تدمير ستة مراكز غسيل– واستخدام الحصار لتجويع السكان وحرمانهم من الدواء يمثلان انتهاكًا فاضحًا لاتفاقيات جنيف التي تُحظر تجويع المدنيين واستهداف المنشآت الطبية. ومع تجاوز عدد القتلى 51 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال، تبدو معاناة مرضى الكلى دليلاً إضافيًا على أن الحصار ليس مجرد «تكتيك ضغط»، بل عقاب جماعي يُفضي إلى القتل البطيء. توصيات يجب أن تعمل لإنقاذ المرضى في غزة رفع فوري للحصار الطبي والغذائي بوصفه إلتزامًا قانونيًا وليس تنازلاً سياسيًا. حماية المرافق الصحية وضمان وصول الوقود والأدوية تحت رقابة دولية. إنشاء ممر إنساني مستدام يسمح بخروج الحالات الحرجة إلى مستشفيات خارج القطاع. إرساء هدنة طويلة الأمد تُبنى على وقف شامل للهجمات، لا على «وقفات تكتيكية» مؤقتة.