أكَّد عدد من الأطباء والعاملين في مجال الطب النفسي بالمملكة أنَّ هناك العديد من الصعوبات التي تواجه الأخصائيين النفسيين والممرضين أثناء أدائهم لمهامهم المختلفة، موضحين أنَّ من أهمها الضغوطات المهنية والنفسية نتيجة تعاملهم المباشر مع فئات المراجعين والمرضى النفسيين، داعين إلى إعادة النظر في مستوى الخدمات الصحية المُقدَّمة لهؤلاء، مُشيرين إلى أنَّ القطاع الصحي النفسي بالمملكة يفتقد لوجود برامج دراسات عليا في مجالات الصحة النفسية، سواءً الطب النفسي أو علم النفس السريري أو الخدمة الاجتماعية النفسية، مُبيِّنين أنَّ المخرج هو في الابتعاث الخارجي والتعاون مع وزارة التعليم العالي والهيئة السعودية للتخصصات الصحية، للعمل على وجود برامج محلية تنتهي بالحصول على شهادة الدكتوراه، وذلك في حال تعذر الابتعاث الخارجي. وشدَّد هؤلاء على أهمية إيجاد دورات تخصصية على مستوى الدبلومات بالتعاون مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، في ظل عدم وجود برامج حقيقية لتدريب الأخصائيين النفسيين بشكل دوري، إلى جانب إخفاق الجامعات والمؤسسات التدريبية في وضع برامج للدراسات العليا للتخصصات النفسية الدقيقة، وكذلك عدم وجود حوافز وظيفية للعاملين بهذا القطاع، داعين إلى تهيئة المصحات النفسية لتتناسب مع طبيعة المرض النفسي والعقلي، وصياغة برامج وقائية أولية وثانوية متقدمة، إلى جانب مراجعة البدلات الخاصة بالمهنيين في العاملين مجال الصحة النفسية وزيادة هذه البدلات لتتوافق مع متطلبات الممارسة النفسية وما ينجم عنها من إفرازات و ضرر قد يلحق بالممارس النفسي. اضطرابات نفسية وبيَّن "د. سعيد هادي وهاس" -أستاذ مشارك، واستشاري بقسم الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الدمام- أنَّ من بين أهم الصعوبات التي تواجه المهنيين العاملين في مجال الطب النفسي تعقُّد فهم الظواهر النفسية المرضية، إذ إنَّها مزيج من مسببات عضوية ونفسية واجتماعية وحضارية، وبالتالي تتنوع المداخلات العلاجية وفقاً لتنوّع المسببات، مُشيراً إلى أنَّ هذا هو ما يجعل مآل هذه الاضطرابات في غاية الصعوبة، الأمر الذي ربَّما شكَّل بعض الإحباط لكل من المختص والمريض على حدٍ سواء. وأضاف أنَّ ذلك يأتي مقارنةً بالأمراض العضوية التي تعتمد على التقنية والعلاجات الطبية، ممَّا يُسرّع الشفاء من هذه الأمراض، إلى جانب الفهم الخاطئ للاضطرابات النفسية من قبل المرضى والمجتمع، حيث إنَّها تُفضي إلى تأخّر العلاج، وبالتالي تصل الأزمة النفسية والاضطراب إلى حد الأزمات النفسية، موضحاً أنَّ انتشار وصمة العار التي تلحق بالاضطرابات النفسية والعقلية تمثّل تحديا آخر للممارسين في المجال النفسي، وكذلك الاعتماد على العلاج الدوائي وإهمال وسائل العلاج النفسي الأخرى نتيجة ندرة المؤهلين في هذا المجال. ابتعاث خارجي وأشار "د. وهاس" إلى أنَّ القطاع الصحي النفسي في المملكة يفتقد لوجود برامج دراسات عليا في مجالات الصحة النفسية، سواءً الطب النفسي أو علم النفس السريري أو الخدمة الاجتماعية النفسية، مُضيفاً أنَّ المخرج هو في الابتعاث الخارجي والتعاون مع وزارة التعليم العالي والهيئة السعودية للتخصصات الصحية؛ للعمل على وجود برامج محلية تنتهي بالحصول على شهادة الدكتوراه، وذلك في حال تعذر الابتعاث الخارجي، مُشدِّداً على أهمية إيجاد دورات تخصصية على مستوى الدبلومات بالتعاون مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. وشدَّد على ضرورة العمل على تطوير البرامج العلاجية تحت مظلة النموذج الحيوي والنفسي والاجتماعي والممارسة المتمركزة حول المريض لا المرض النفسي، إلى جانب تهيئة المصحات النفسية لتتناسب مع طبيعة المرض النفسي والعقلي، وكذلك صياغة برامج وقائية أولية وثانوية متقدمة، إضافةً إلى مراجعة البدلات الخاصة بمهنيين في الصحة النفسية وزيادة هذه البدلات لتتوافق مع متطلبات الممارسة النفسية وما ينجم عنها من إفرازات و ضرر قد يلحق بالممارس النفسي. تدريب العاملين وأكَّد "د. أسعد صبر" -استشاري طب نفسي- أنَّ مشكلة المريض النفسي تكمن في حالته النفسية، فإذا كان يعاني من اضطراب عقلي يصعب التفاهم والتواصل معه، وإن كان يعاني من مرض نفسي يجب مراعاة حالته النفسية عند التواصل معه، موضحاً أنَّ جميع احتياجاته التمريضية أثناء وجوده بالمستشفى أو زيارته للعيادات يجب أن يراعى فيها حالته العقلية والنفسية؛ لكي يمكن التفاهم معه وتقديم الخدمة الجيدة له، مُشدِّداً على ضرورة تدريب العاملين في التمريض بمجال الصحة النفسية على التعامل مع الحالات النفسية. وشدَّد أيضاً على أهمية تأهيلهم من الناحيتين العلمية والنفسية وكيفية تحمّل الضغط النفسي واستيعاب تلك الحالات، إلى جانب كيفية التعامل مع كل مريض على حسب حالته، فمثلاً مريض الانفصام يحتاج إلى معاملة خاصة وتفهّم لمشكلته في التفكير والتهيؤات والخيالات، بينما مريض الاكتئاب بحاجة إلى تفهّم حالته أو أفكاره السلبية المتشائمة والإحباط وعدم الرغبة في مساعدة نفسه. بدلات مناسبة وأضاف "د. صبر" أنَّ الممرضين والممرضات العاملين في هذا المجال بحاجة للحصول على البدلات المناسبة، مبيناً أنَّ هذه البدلات موجودة إلاَّ أنَّه لا يحصل عليها الجميع؛ لأنَّ البعض يكون على رقم وظيفي آخر ومكلّف بالعمل في المستشفيات النفسية، وبالتالي فإنَّه يكون موعودا بها مع استمراره في العمل بهذا القطاع لسنوات دون أن يستلم هذا البدل النفسي، مُشيراً إلى أنَّ فئة التمريض يعانون من نقص واضح في برامج التدريب والتأهيل المستمر وتقييم أداء الممرض المتميّز في تعامله مع المرضى النفسيين، لافتاً إلى أنَّه لا يوجد نظام للمكافآت والحوافز للمتميزين في عملهم. ساعات العمل وأوضح "د. أسامة النعيمي" -استشاري أول أمراض نفسية بمركز الجامعة الطبي- أنَّ العاملين في مجال الصحة النفسية يعانون من الإهمال والإجحاف، مضيفاً أنَّ الصحة النفسية –للأسف- تقع في آخر سلم أولويات الاهتمامات الصحية –على حد رأيه-، مُشيراً إلى أنَّ العاملين في هذا المجال، سواءً الأطباء أو الأخصائيين النفسيين والاجتماعين والممرضين والإداريين يعانون من كمٍ كبير من الضرر، داعياً الجهات المعنية للاهتمام بهم على المستوى المادي، بحيث يتم تغيير مسمى العلاوة السنوية ورفع قيمتها وإضافتها إلى الراتب الأساسي. ودعا الجهات المعنية أيضاً لتغيير طريقة حساب ساعات العمل واحتساب ساعات عمل إضافي، إلى جانب الاهتمام بالعاملين بهذا المجال معنوياً من خلال التنويه المستمر بالعاملين ورفع الحرج عنهم في اللقاءات والمؤتمرات، حتى يصبح العمل في مجال الصحة النفسية مثاراً للفخر، وأن يشمل ذلك تعميم تقديم الخدمات النفسية في العيادات الخارجية بالمستشفيات العامة، مُشدِّداً على أهمية تطوير الكوادر العاملة في هذا المجال، إلى جانب إجبار الشركات الموردة والمتعاقدة على إجراء الدورات التطويرية لكل الكادر. وأضاف أنَّه من الضروري أن يتم تهيئة الظروف للكوادر التمريضية والإدارية للحصول على المؤهلات الأكاديمية التي تساعدهم في تحسين الخدمة المقدمة للمرضى والمراجعين، إلى جانب حصر التعاقد من خارج المملكة مع المدربين المؤهلين المعتمدين في بلدانهم وفي الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. أعمال إدارية ولفت "د. سعد المشوح" –أستاذ صحة نفسية مشارك- إلى أنَّ الصعوبات في القطاع الصحي النفسي لا تقتصر على العاملين في المملكة فحسب، بل تشمل أيضاً جميع العاملين بهذا القطاع على مستوى العالم، مُضيفاً أنَّ من أهم هذه الصعوبات قلَّة عدد المتخصصين وتأهيلهم وتوفير برامج الرعاية الصحية النفسية وتوفير البرامج الاجتماعية الصحية النفسية، ليكون المجتمع مشارك في العملية العلاجية بشكل أو بآخر، مُشيراً إلى أنَّ الإشكالية الكبرى التي يواجهها الأطباء في المملكة تكمن في تكليفهم بإعمال أداريه أكثر من الإعمال الطبية البحتة، في ظل صعوبة المهنة ذاتها. وبيَّن أنّ الأطباء النفسيين يخضعون لأنظمة المستشفيات، في حين أنَّ كثير من هذه المستشفيات لا يكون فيها قسم للطب النفسي، بل يوجد فيها قسم للباطنية، وبالتالي لا تتوفَّر الرعاية التامة وتنويم المرضى، إذ لا يوجد بها سوى الرعاية اليومية، وبالتالي يكون هناك تباعد في المواعيد، مُضيفاً أنَّ من ضمن الصعوبات التي يواجهها الأطباء النفسيين في المملكة، أنَّ جميع كليات الطب في المملكة تقدّم مقررين فقط أو ثلاثة في مجال الطب النفسي لطلاب وكليات الطب. برامج تأهيلية وأضاف "د. المشوح" أنَّ ذلك يعني عدم حصول هؤلاء على التأهيل المطلوب، خصوصاً للأطباء حديثي التخرج، إلى جانب أنَّ كل البرامج التي تؤهل للحصول على شهادة البكالوريوس في علم النفس هي برامج بكالوريوس خاصة بعلم النفس العام وتاريخ علم النفس، بينما لا يوجد تخصصات يكون الطالب متخصص فيها من العام الثاني، ومن ذلك –على سبيل المثال- تخصصات الإرشاد النفسي أو الإكلينيكي أو علم نفس الطفولة، كما أنَّ الجامعات لا يوجد بها برامج تأهيلية، إضافةً إلى أنَّ معظم المتخصصين وأساتذة الجامعات يميلون للتخصصات التربوية. وأكَّد على أنَّ كثرة الطلب على الطب النفسي والأخصائيين النفسيين والممرضين الناجحين في كثير من دول العالم يجعل هناك تسرّب من قبل العاملين في هذا المجال، سواءً من السعوديين أو غير السعوديين إلى دول مجلس التعاون الخليجي، متمنياً أن تعمل وزارة الصحة على تجديد الدماء في أقسام الصحة النفسية واللجان بالصحة النفسية والاجتماعية، لافتاً إلى أنَّها حاولت إنشاء مراكز الإخاء بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، داعياً إدارة الخدمات الصحية النفسية والاجتماعية بوزارة الصحة للعمل على تطوير القطاع الصحي النفسي في المستشفيات. مساهمات مجتمعية وشدَّد "د. المشوح" على أهمية وجود مساهمات فعلية مجتمعية للارتقاء بالخدمات المُقدَّمة في هذا المجال، خصوصاً من قبل المؤسسات الأهلية العاملة في مجال في الرعاية الصحية النفسية، موضحاً مستوى إنفاق العام لوزارة الصحة على الرعاية الصحية النفسية متدنٍ جداً، مشيراً إلى أنَّ وزارة الصحة الأمريكية –مثلاً- تنفق قرابة (15٪) من موازنة وزارة الصحة في أمريكا على الخدمات الصحية النفسية، في حين تبلغ النسبة في المملكة أقل من (1٪)، لافتاً إلى أنَّ العاملين من الأخصائيين النفسيين يواجهون ضغوطا وظيفية وتأهيلية. وأوضح أنَّه لا توجد برامج حقيقية تعمل على تدريب العاملين في هذا المجال بشكل دوري ومستمر، إلى جانب إخفاق بعض الجامعات والمؤسسات التدريبية في وضع برامج دراسات عليا للتخصصات النفسية الدقيقة، وكذلك عدم وجود حوافز وظيفية لهم في القطاع الصحي، متمنياً أن تؤدي الهيئة السعودية للتخصصات الصحية المهام المطلوبة منها، وأن يتم إسناد ومتابعه العمل النفسي أهل الخبرة، مع إرغام المؤسسات التعليمية والتدريبية لرفع مستوى برامجها وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات العصر. د. سعد المشوح د. أسامة النعيمي د. أسعد صبر د. سعيد وهاس