يعاني مُجتمعنا السعودي من انتشار المشكلات والاضطرابات النفسية بنسب توازي الانتشار العالمي وقد تزيد وتنقص وفقاً لتنوع الأسباب المُؤدية والظروف المُحيطة. ما ينقصنا هو عدم وجود دراسات مسحية مُجتمعية لمدى نسبة انتشار الاضطرابات النفسية، والمقصود ليس تلك الإحصائيات الصادرة من المُستشفيات، كون واقع الحال يقول إن السواد الأعظم من تلك الاضطرابات غير مُشخص ولا يتلقى الرعاية النفسية لعديد من المُسببات تتعلق بعدم وجود الخدمة أو انحسارها «مكانيّاً» أو توحدها «علاجيّاً» في الدواء فقط أو «كردة فعل» لعدم تسامح وتقبل المجتمع للمريض والمرض النفسي. يعتمد التدخل النفسي «الأصح» بداية على تعزيز سُبل الصحة النفسية والوقاية من المرض النفسي ابتداء من الأسرة، فهي القاعدة الرئيسة للصحة النفسية، مروراً بالبيئة التعليمية بكل مراحلها وبيئة العمل بكل أشكالها والمُجتمع بأطيافه وتنوعاته، ومتى ما تحقق ذلك وُجدت الوقاية الحقة، فقد قيل الوقاية خير من العلاج، ومع هذا وفي ظل وجود برامج التعزيز والوقاية قد تظهر «حالات» بحاجة للتدخل العلاجي. يشتمل التدخل العلاجي على الإرشاد النفسي «Counselin Psychological» الذي يُقدم خدماته الإرشادية للنسبة العظمى ممن ينشد الخدمة النفسية، وهم أولئك القوم الذين يُعانون «المشكلات النفسية» التي لم تصل بهم لمرحلة المرض النفسي، ولكنها تنغص عيشهم وتُفسد جودة حياتهم وتتطور إن لم «تُرشد» لتُصبح اضطراباً نفسيّاً عاجلاً أم آجلاً، يليه في هرمية الخدمة النفسية التدخل النفسي السريري «Clinical Psychological/Psychiatric» والمُفترض أن تقل نسبة من يحتاج إليه مُقارنة بمن يحتاج للتدخل الإرشادي النفسي، والتدخل هنا ذو طابع «سريري» ويتم من خلال العيادات والمُستشفيات النفسية من خلال برامج العلاج النفسي «Psychotherapy» والدوائي «Pharmacotherapy» مُجتمعة، والاتجاه العالمي أن تُقدم هذه الخدمات النفسية من خلال المُجتمع «Community-based»، وليس بعزل المريض في مُستشفى نفسي. يرى المُتتبع لواقع خدماتنا النفسية أن المُتاح «غالباً» هو العلاج الدوائي من خلال المُستشفيات النفسية مع عوز شديد لبرامج تعزيز الصحة النفسية والوقاية من المرض النفسي، وانعدام خدمات الإرشاد النفسي «لما قبل ظهور المرض» والقصور الحاد في برامج العلاج النفسي «غير الدوائي» والمبني على الدليل العلمي، وما يُقدم في العلاج النفسي ليس إلا اجتهادات فردية لا تفي بالغرض وليست مُلزمة من النظام الصحي «فلعلها من باب الترف!» كونه مازال غارقاً في «المنظور الحيوي» للصحة النفسية، للحديث بقية.