هناك تساؤل يطرح نفسه، هل نحن أمة بحاجة للرعاية النفسية أسوة ببقية شعوب الدنيا، أم أننا شعوب وقبائل ترتدي وشاح الصحة النفسية وبردة السلامة العقلية لاعتبارات مُتعددة ذات طابع اجتماعي وثقافي وعرقي. تعاني شعوب العالم قاطبة من لظى المعاناة النفسية ولهيب اضطراباتها، وتتجرع مرارة سوء جودة الحياة نتيجة ذلك كله، والمحصلة النهائية أن تجد لدى تلك الشعوب برامج وقائية للصحة النفسية تستهدف عامة الأمة من خلال بث التوعية النفسية لمُجتمع سليم مُعافى، وكذلك برامج إرشادية وعلاجية وتأهيلية من قبل مهنيي الصحة النفسية المُتعددة التخصصات لمن خرج عن مسار الصحة النفسية السوية ليُعاد ثانية للمسار بأقل الخسائر والتكاليف. هناك من يعتقد بوجود حد واضح للفصل بين الصحة النفسية والمرض النفسي، فمن يجد نفسه داخل الخط الأحمر «المرض النفسي» فلا مناص من السعي لطلب المشورة والعلاج، ومن كان حظه الاخضرار «الخط الأحضر» فليعض عليه بضرسي العقل ليبقى عاقلا ما دام حيا. وهناك من يعتقد أن المرض النفسي بكافة صوره وأشكاله وليد اللحظة، فقد ينام إنسان معافى في نفسه وعقله وخلال الليل يأبى ناقل عصبي بعينه إلا أن يشذ فيُخفض إنتاجه، فيظهر القلق والاكتئاب، وآخر إلا أن يُغرق السوق «الدماغية» بغزارة إنتاجه ليظهر الفصام ونحوه. والحقيقة أن لا حدود قطعية بين الصحة والمرض في المجال النفسي، فالخط مُتصل والاختلاف في النوع والدرجة، والمرض النفسي يبدأ من مُستصغر الشرر، لينمو حدة من البسيط للحاد جدا ويكبر في المعاناة وهو مُتعدد السببية، فلا يعُود لسبب واحد بعينه، وهو قابل للوقاية إذا كانت هناك جهود وقائية تُبذل، وفي ذات الوقت قابل للشفاء التام «Curable» والعلاج «Treatable»، والفرق بينهما شاسع لصالح الشفاء، ما دام هناك برامج إرشادية وعلاجية مُتعددة المحاور، خلاف ذلك سيبقى تحقيق الصحة النفسية بعيد المنال و يجعل من المرض النفسي حملا ثقيلا لمن يُعانيه ومن يُحيط به ويرفع درجة وصمة العار «Stigma» والنبذ الاجتماعي نحو المرض والمريض النفسي، لتكبر كرة الشدة والمعاناة، لترتد ثانية بمزيد من الألم والأسى. وللحديث بقية ما بقينا.