في فيلم «ساعي البريد» للمخرج مايكل رادفورد، ينبهر الشاعر التشيلي الباهِر نيرودا من عبقرية قارئه وناقده البسيط، ساعي البريد الذي يحمل له الرسائل في منفاه بجزيرة سالينا الإيطالية، حين يقول ساعي البريد «الشعر ليس ملك الذين يكتبونه، بل ملك الذين يحتاجونه»، ورغم سؤال الساعي عن كيفية كتابة الشعر ولهفته لإجادته، إلا أن نيرودا يفاجئه بأنه ابتكر استعارة جديدة، عندما وصف شعوره عند سماع الشعر بقارب يترنح على الكلمات. هكذا هو الشعر بدأ بسيطا وسيظل بسيطا، لقمة البسطاء التي تأبى أن يرتفع سعرها يوما عليهم، هو حنجرة الناس، رمز العدالة والمساواة فهو يمنح رايته لكل موهوب بغض النظر عن أصله وفصله ومذهبه وماله. ويهطل كالمطر على كل متذوق كائنا من كان. لذلك يقول أحمد شوقي في قصيدة له: «أنتم الناس أيها الشعراءُ»، ويقول تميم البرغوثي موجها خطابه للناس: فإذا ما قلنا القصيد فإنّا.. للذي يكتبونه قراءُ وإذا ما سُئلت من شاعر القوم..غداً؟ قلت: أنتم الشعراءُ» أكبر أخطاء مرحلة الحداثة الشعرية تعاليها على القارئ، وسكناها برجا عاجيا، فكان أن انصرف الناس عنها وعن الشعر الفصيح، وبحثوا عن شعر يشابهم، ويحاكي همومهم ومشاعرهم، فوجدوه في الشعر الشعبي، الذي انتشر حتى طغى على الفصيح، لذلك من واجبات شعراء الفصحى أن يعيدوا الشعر إلى الناس ليعود الناس إليه.