«لتتجنب النقد: لا تعمل شيئاً، لا تقل شيئاً، لا تكن شيئاً». أرسطو قاعدة سهلة جداً!! يملك كثير من أبنائنا طاقات وقدرات ومهارات ولديهم طموح عال ليكونوا مبادرين لإبراز ما لديهم من مواهب وهوايات ولكنهم يعزفون عن ذلك لعدة أسباب ومنها خشية الإخفاق وخشية الانتقاد. والأمر أوسع من ذلك وغير محصور بالأبناء. بعضهم يشرع ويحاول جاهداً لتحقيق أحلامه وطموحاته ولكن سرعان ما يتوقف ويطوي صفحات ما بدأه ويضعه في آخر الأدراج بسبب استسلامه لتغذية سلبية راجعة وردت إليه ممن حوله فحطمت معنوياته وبددت آماله. وإن كان الناقد يلعب دوراً مهماً وينبغي أن يقدم النقد البناء الموضوعي وبأسلوب حضاري واحترام وتقدير ويظهر الإيجابيات والسلبيات ويهتم بجانب التشجيع والتحفيز، إلا أن بعضهم له أسلوب منفر لا يزيد المتلقي إلا إحباطاً ونفوراً. من المستحيل تكميم الأفواه عن إبداء النقد ووجهات النظر سواء كانت إيجابية أو سلبية، وما على المتلقي إلا أن يستقبلها بصدر رحب وروح رياضية ولا يتجاهل أي ملاحظة وبالخصوص السلبية منها حتى وإن كانت قاسية من أول وهلة. التغذية الراجعة بحد ذاتها يمكن أن يستفاد منها إيجابياً في النمو والتطوير والتقويم وتحسين الأداء وزيادة الإنتاجية والإبداع ورقي الأمم وتقدم الحضارات، خصوصاً إذا كان الناقد صادقاً مخلصاً ليس همه النقد من أجل النقد فقط والتسقيط والتثبيط والضرر. ومن يصر على أنه لا يتمكن من سماع غير المديح والإطراء والثناء فعليه ألا يعمل شيئاً ولا يقول شيئاً ولا يهتم بالتغيير والتجديد والإبداع، بل يبقى متقوقعاً في حياته الروتينية الرتيبة لتفادي فتح أبواب يجد فيها الآخرون مدخلاً وبضاعة جاهزة للنقد. هذا النوع من التغذية بالمدح والإطراء له أضرار جسيمة أكثر من المنافع، خصوصاً عندما يصدر من شخص مجامل غير صادق. نعم لا تتوقع النقد من عالم مثالي يتمتع بأسمى القيم والمبادئ، وكن متهيئاً لسماع ما يحلو وما لا يحلو لك وتكيّف معه واعمل على الاستفادة منه وتحويله بشكل إيجابي. فالارتقاء بالفكر وتقبل النقد في شتى الميادين سيشعرك بحياة أفضل وأكثر متعة وتحدياً وسعادة وإنجازاً وتقدماً بدلاً من الاستسلام والهرب والتقليل من تقدير الذات.