أعداد غفيرة وتخصصات عديدة في مقابل مستقبل مجهول وسنوات أقرب ما تكون إلى الضياع، وآمال بددتها تصريحات مسؤولين في الوزارة – غير مقتنع بهم – وتلميحات من هنا وهناك، ولغط وهرج وعدم وضوح لمستقبل المنتسب ووضعه بعد التخرج من ناحية الوظيفة أو من ناحية إكماله للدراسات العليا، فلم يتبق على الاختبارات النهائية لطلاب وطالبات برنامج الانتساب سوى بضعة أيام، هؤلاء الطلبة منهم من هو في بدايات الطريق ومنهم من هو في المنتصف وبعضهم في نهاية المشوار، وبعد التخرج تبدأ غشاوة السنوات الماضية تنقشع شيئاً فشيئاً وتبدأ الخطط المستقبلية تتهاوى في ظل الواقع الأليم الذي سيصدمون به، الذي كان يتردد على مسامعهم منذ سنين، ولكن بصيص أمل في إنهاء معاناة من سبقوهم كان كالنبراس يضيء لهم جزءا من الطريق في سبيل مواصلة دراساتهم. بعد التخرج ستضيع جميع العلوم وتعض أصابع الندم وتكثر الشكاوى والأنات. فقد ضاع أغلى ما يملكه الإنسان ضاع ماله والأهم منه ضاع وقته وجهده. من يقدر ومن يهتم ومن يتكلم ومن يتألم لحال هؤلاء، منهم من دفعه وضعه الاجتماعي للدراسة ومنهم من دفعه وضعه المادي وهم الأغلب والأقل منهم من دفعهم حب تحصيل العلم والمعرفة للانتساب. بعد التخرج سيدرك المنتسب والمنتسبة أن محاور الانتساب ثلاثة رابحان وثالثٌ خاسر، فأما الرابح الأول فهو التعليم. فالانتساب يعد مصدر دخل جيد -لم يكن بالحسبان- مع قلة التكلفة التي لا تكاد تذكر، فالبدايات كانت بلا رسوم ثم تطور الأمر وأصبحت الرسوم تدفع على الدورات الأولية التي تقدم قبل الالتحاق ببرنامج الانتساب عن طريق الإيداع البنكي، ثم تطور الأمر حتى جاء الانتساب المطور وأصبحت الرسوم تدفع لكل مستوى دراسي بناء على المواد المقررة لذلك المستوى، وأما الرابح الثاني فهو المحاضر، وأما الخاسر الثالث فهو بلا شك المنتسب والمنتسبة. بعد التخرج سيتضح لهم دلالة المؤشرات والتلميحات من مسؤولي الوزارة والخدمة المدنية، التي ترى فيهم العبء، وكيف لا يكونون عبئا وهم لم تدرج أعدادهم ونسبهم ضمن إحصاءات الوزارة بحيث يعدون ضمن الخرجين والخريجات وبالتالي تعمل الجهات الأخرى من خدمة مدنية وغيرها على توفير ما يتطلب توفيره لهم بعد التخرج. أما إقصاؤهم من مجموع أعداد الخريجين وتمييزهم عنهم، فقد أفضى إلى حرمانهم من الوظائف التي من أجلها أمضوا مالا يقل عن أربع سنوات في عدة دراسات ومجالات وتخصصات متنوعة ومعتمدة من قبل الوزارة ومن قبل الجامعات التي طرحت برامج الانتساب. إن من المجحف حقاً أن نحقق المساواة بين المنتسبين والمنتظمين في الواجبات والمتطلبات والقياس – وزادوا عليهم بالرسوم – ونميز بينهم في الحقوق والمزايا والوظائف والفرص. فليست مساواة المنتسبين بالمنتظمين بأقل أهمية من مساواة لاعبي كرة القدم من ذوي الاحتياجات الخاصة بزملائهم لاعبي كرة القدم من حيث المكافآت والجوائز. بعد التخرج سيدرك المنتسب أن الشهادة التي تستحق أن تُبروَز هي الشهادة التي ينتفع الدارس من ورائها، فتكون له مفخرة وذكرى جميلة كانت سبباً في تحقيق أهدافه، أما شهادات الانتساب فلا أنصح أن يوضع لها برواز أو أن تعلق فلن تزيد المنتسب إلا مرارة وألماً وتحسراً وتحسفاً، فيكفيها أن تقبع في إحدى خزائن البيت.. وبكل هدوء.