سوريَّا هذا الوطنُ العربيُّ البائسُ في معاصرتِه وفي مستقبلِه بعدما كان المنطلقَ الثاني للمدنيَّة وللإشعاع الحضاريِّ العربيِّ والإسلاميِّ بمدِّهما الفاتح الذي أنقذَ العالمَ آنذاك من الظلم والاضطهاد، ونَشَرَ العدالةَ والمعاني الإنسانيَّةَ منهياً القطبين المتصارعين المتداولين الهيمنةَ على العالم فيما قبل الإسلام، قال تعالى في سورة الروم: {ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}، الآية رقم 1-4، سوريَّا هذا الوطنُ العربيُّ قُتِلَ من سكَّانه نصف مليون، وشُرِّدَ نصفُهم بين مهجَّرين خارجه ونازحين داخله، يحاصر منهم في مدنهم بالتجويع مليون نسمة، وتنبئ الأحداث الراهنة بتزايد الأرقام والنسب، الوطن الذي دُكَّ بطائرات نظامه وروسيا معالمُ حضارته الإنسانيَّة لشعوب تتابعتْ ظهوراً فيه منذ آلاف السنين، ودُكَّتْ بنيتُه التحتيَّة المعاصرة، فتشكَّلتْ فيه أعظمُ مأساةٍ إنسانيَّة عرفها التَّاريخُ وأعقدُ قضيَّةٍ سياسيَّة عرفتْها هيئةُ الأمم المتَّحدة، صرفتْها وصرفتْ العالمَ عن قضاياه الأخرى الإنسانيَّة والسياسيَّة والتنمويَّة والحضاريَّة. إنَّ وضع سوريَّا القائم الآن لا تنبئ أحداثُه بنهاية عاجلةٍ عادلة، ولا تبشِّر مجرياتُها ومتغيِّراتُها باستقرارٍ قريبٍ يستعيد الحياةَ إليها؛ لتواصل دورَها الحضاريَّ والإنسانيَّ، الأمر الذي اختلط فيه على مواطنيها وعلى المراقبين لوضعها تفسيره بأنَّه ثورة أو قضيَّة أو مأساة أو حرب على الإرهاب أو صراع بين القطبين وبينهما وبين القوى الإقليميَّة أو هي كلّها معاً مشكِّلةً وضعها البائس المزري إنسانيّاً المعقَّد سياسيّاً، ومحرِّكةً مساراتِه ومجرياتِه وعشوائيَّةَ مؤتمراتها ومفاوضاتها، فهل هذا الوضعُ سيُحْسَمُ عسكريّاً أو سياسيّاً أو إنسانيّاً عالميّاً أو إقليميّاً قريباً أو بعيداً؟!!، اختلط الأمر في ذلك كلِّه؛ وما ذلك إلاَّ لأنَّ الأطرافَ في الصراع السوريِّ خلطوا الأوراق لإطالة القضيَّة ولمدِّ المأساة فاختلطتْ الأهدافُ والمصالحُ والمساراتُ بينهم من جهة وبينهم وبين الشعب السوريِّ الثائر من جهة أخرى، واختلطتْ المفاوضات والمؤتمرات على هيئة الأمم المتَّحدة وعلى مستشاريها المتعاقبين بعد فشل يعقب فشلا، وعلى السياسيِّين من ثوَّارها ومن وزراء خارجيَّة الأطراف الدوليَّة والإقليميَّة ذات العلاقة بها. اختلطتْ الأوراقُ فاختلطتْ الأهدافُ فالمساراتُ بين محاربة للإرهاب في سوريّا وبين محاربة لنظام الأسد الطائفيِّ فيها، بين مصالح أمريكا ودول الناتو وأطماعها وبين مصالح روسيا وأطماعها، خلطتْها روسيا بين مواجهة الإرهاب ومناصرة النظام السوريِّ، وخلطتها أمريكا بين تلكؤها بدعم الثورة السوريَّة وبين طرحها خطَّتها (ب)، وبين مواجهة روسيا بعد دخولها سوريّا في أعقاب أزمتها معها في أوكرانيا، وخلطتها تركيّا بين موقفها من روسيا وموقفها من أكرادها وأكراد سوريّا ومن الثورة السوريَّة، وبين أزمة اللاجئين السوريِّين إليها والمهجَّرين منها لأوروبا للضغط على الاتِّحاد الأوروبي لقبولها عضواً فيه ولابتزازه دوله بمعوناتها، وخلطتها القوى الغربيَّة والإقليميَّة بين أهدافها وتحالفاتها، وخلطها الأكراد بين محاولتهم الانفصاليَّة بدولة كرديَّة وبين ثورتهم على النظام السوريِّ، وخلطتها إيران بين برنامجها النوويِّ ومدِّ نفوذها الإقليميِّ، اختلطت بين ذاك وذاك وبين تلك وتلك، والشعب السوريُّ وسوريّا هما الضحيَّةُ والقضيَّةُ والمأساةُ، واختلطت على هيئة الأممالمتحدة بين دورها في السلم العالميِّ ودورها في حقوق الإنسان، بين دورها الأمميِّ الإنسانيِّ وانصياعاتها السياسيَّة لدول الفيتو، فتداخلتْ مبادئها وقيمها واتِّفاقيَّاتها ومؤتمراتها التفاوضيَّة فازدادت الأوراقُ خلطاً والأهداف والمصالح والمسارات اختلاطاً. هذا الخلط للأوراق والاختلاط في الأهداف والمسارات أدَّى بي لخلط السياسة بالمشاعر والعواطف بالرأي والقصيدة بالمقالة وصفحات الرأي بصفحات الثقافة، فليعذرْني أخي الأستاذ عبدالوهاب العريض رئيس قسم الرأي في صحيفة «الشرق» في هذا الخلط والاختلاط في مقالتي هذه وليمرِّرْها منتهيةً بقصيدتي المعنونة: ب الحَزْمُ وَالعَزْمُ قِيَمٌ وَحَيَاةُ كَلَّا لِرُوسِيَّا وَلَا لِلنَّاتُو كُشِفَتْ بِسُورِيَّا لَهُمْ خُطُوَاتُ يَسْتَهْدِفُونَ بِهَا غَداً تَقْسِيْمَهَا مِنْ بَيْنِهِمْ خُطَطٌ وَتَنْسِيْقَاتُ قَدْ نَسَّقُوا أَدْوَارَهُمْ وَجُهُودَهُمْ فِلِكُلِّ إِجْرَاءٍ بِهَا مِيْقَاتُ قَدْ هَجَّرُوا مِنْ أَرْضِهَا سُكَّانَهَا فَإِذَا بِهِمْ حَيْثُ اللُّجُوءِ شَتَاتُ أَطْفَالُهَا وَنِسَاؤُهَا وَشُيُوخُهَا تَحْتَ الثُّلُوجِ بِغَابَةٍ قَدْ بَاتُوا يَتَآمَرُونَ إِذاً بِمُؤْتَمَرَاتِهِمْ فَكَأَنَّهَا فِي عَقْدِهَا إِثْبَاتُ فَيُدَبِّرُون لِهَا لإِخْفَاقَاتِهَا هَذَا إِذَا تَنْقَادُ مُؤْتَمَرَاتُ فَسَلُوا جُنَيْفَا أَو فِيَنَّا قَبْلَهَا إِذْ فِيْهِمَا تَتَكَرَّرُ المَرَّاتُ لِمُفَاوَضَاتٍ يَحْسِبُونَ حِسَابَهُمْ فتُمَرَّرُ الأَزَمَاتُ وَالعَقَبَاتُ مِنْ قَبْلُ أَو مِنْ بَعْدُ حَتَّى يُعْلِنُوا التَّمْدِيْدَ فَهْوَ تَحَفُّظٌ وَأَنَاةُ قَدْ أَعْلَنُوا التَّأْجِيْلَ مَرَّاتٍ فَهُمْ لِمُفَاوَضَاتٍ سَاسَةٌ وَرُعَاةُ شَعْبٌ بِسُورِيَّا يَمُوتُ مُجَوَّعاً أيَضِيْرُ آلَافاً إِذَا مَا مَاتُوا ؟ مَنْ لَمْ يَمُتْ بِالطَّائِرَاتِ بِغَارَةٍ سَيَمُوتُ حِيْنَ سَتُمْنَعُ الأَقْواتُ وَيَمُوتُ بِالأَمْرَاضِ شَعْبٌ جَائِعٌ عَزَّ الدَّوَاءُ وَلَيْسَ فِيْه أُسَاةُ يَا مَنْ بِسُوريَّا يُسَابِقُ بَعْضَكُمْ بَعْضاً وَكُلٌّ فِي السِّبَاقِ بُغَاةُ مَاتَتْ ضَمَائِرُكُمْ وَإِنْسَانِيَّةٌ كَمْ تَدَّعُونَ بِأَنَّهَا المِرْآةُ كُلٌّ يُصَرِّحُ بِالخِطَابِ مُطَمْئِناً لَكِنَّهَا تَتَوَسَّعُ المَأْسَاةُ كِيْرِي وَسِرْجِي يَلْعَبَانِ بِلُعْبَةٍ تُومِي وَجِيْرِي وَالحُضُورُ هُوَاةُ بُوتِيْنُ أُوبَامَا بِتَصْرِيْحَاتِهمْ بِتَنَافُسٍ إِيْقَاعُه مَلْهَاةُ إِنَّ الرِّيَاضَ بِحَزْمِهَا سَتُعِيْقُكُمْ وَغَداً سَيُعْرَفُ حِيْنَهَا الإِثْبَاتُ وَتَصُدُّكُمْ عَنْ خُطَّةٍ مَرْسُومَةٍ لِلْفُرْسِ تَنْفِيْذٌ بِهَا وَسُعَاةُ فَالمُسْلِمُونَ جَمِيْعُهُمْ بِقِيَادِةٍ مِنْهَا إِذَا مَا أَقْدَمَتْ قُوَّاتُ سَلْمَانُ فِي حَزْمٍ يَسُوسُ تَحَالُفاً فِي أُمَّتَيْه بَعْدُ لا يُفْتَاتُ فَإِذا بسُوريَّا بِوِحْدَةِ أَرضِهَا وَبِشَعْبِهَا فِي العَالَمِيْنَ رُوَاةُ فَالحَزْمُ فِي مَعْنَى الكَرَامَةِ مَنْهَجٌ وَالعَزْمُ فِي قِيَمِ الشُّعُوبِ حَيَاةُ سَلْمَانُ بَيْنَهُمَا حَكِيْمٌ فَارِسٌ قَدْ حَنَّكَتْه بِحُكْمِه السَّنَوَاتُ لِلْعُرْبِ وَالإِسْلامِ يَسْمُو قَائِداً فَجُنُودُه بِغَدٍ هُنَاكَ مُشَاةُ سَيُحَرِّرُون الشَّامَ مِنْهُمْ إِنَّهُمْ فِيْهَا عَلَى شَرفِ المَكَانِ غُزَاةُ سِرْ يَا أَبا فَهْدٍ فَخَلْفُكَ مَوطِنٌ لا تَنْحَنِي لِرِجَالِه الهَامَاتُ