صرَّح لافروف وزيرُ خارجيَّةِ روسيا عام 2012م مع بدايات الأزمة السُّوريَّة مبرِّراً موقفَ بلاده الداعم لنظام الأسد لإذاعة روسيَّة قائلاً: «إذا سقط النظامُ الحاليُّ في سوريا فستنبثق رغبةٌ قويَّةٌ وتُمارس ضغوطٌ هائلةٌ من بعض دول المنطقة لإقامة نظامٍ سنِّيٍّ فيها»، وقال: «لا تراودني أيُّ شكوك بهذا الصدد، ويقلقنا في هذا مصير الأقلِّيَّات من المسيحيِّين والأكراد والعلويِّين والدروز»، بجاحةٌ روسيَّةٌ أغفلتْ حقَّ الأغلبيَّة قي حكم سوريا؟، فهل من العدل والإنصاف أن تتحكَّمَ الأقلِّيَّةُ العلويَّةُ في سوريا فتقتلَ وتبيدَ وتنتهكَ القيمَ والأخلاقَ لتبقى حاكمةً فيها؟!!، وقال متبجِّحاً أيضاً: «إنَّه طالب الأسد بالإصلاح، وأنَّ سوريا ستصبح دولةً ديمقراطية يحكمها من يأتي عن طريق صناديق الانتخاب»؛ فكيف يستقيم هذا المنطق الروسيُّ الذي يبشر لافروف بقدومه مع مناهضةٍ روسيَّةٍ لحكم الأكثريَّةِ السنِّيَّة لسوريّا؟. هذا المنطق الرُّوسيُّ المتبجِّح هو ثمرةُ التَّقارب الروسيِّ الإيرانيِّ المبني على صراعهما مع أمريكا التي أدَّى دورها وبمساعدة تنظيم القاعدة والمجاهدين العرب في أفغانستان لهزيمةِ الاتِّحاد السوفييتي فخرج منها بل وتهاوى متفكِّكاً بضربات اقتصاديَّة أمريكيَّة متزامنة مع هزيمته، فإذا بروسيا وبمساندة إيران وبتدبيرهما مع تنظيم القاعدة أيضاً تخطِّطان للانتقام من أمريكا باستدراجها لأفغانستان ذاتها، وأحسب أنَّ ما حدث في 11 سبتمبر عام 2001م بأمريكا ما هو إلَّا تخطيط دولة عظمى، فلربَّما كان جزءاً من مخطَّط روسيا الانتقاميِّ بالتعاون مع طهران ومع تنظيم القاعدة، مخطط اسْتُكْمِلَ بتوريطها عام 2001م؛ لتدخلَ أمريكا بالتعاون مع بريطانياأفغانستان بمبرِّر القضاء على تنظيم القاعدة وعلى حكومة طالبان؛ لتلقى ما لقيتْه روسيا قبلها من هزيمةٍ دفعتْ لانسحابها منها، إذاً لقد هُزِمَ قطبا العالم في أفغانستان بالرَّغم من قدراتهما العسكريَّة والاستخباريَّة والاقتصاديَّة، وكلٌّ منهما قد اكتشف دور الآخر ودور إيران في هزيمته. ليس هذا فحسب بل إنَّ روسياوإيران استدرجتْ أمريكا لتتورَّط في العراق، فروسيا لتنتقمَ منها لهزيمتها في أفغانستان ولتأثيرها بتفكُّك الاتِّحاد السوفيِّيتي، وإيران لتنتقم من العراق في هزيمتها في حربها معه، ولمدِّ نفوذها فيه بمساعدة أمريكا، وتحقَّقَ لكلٍّ منهما هدفُه ومرادُه فهُزِمَتْ أمريكا في العراق فانسحبت منه، ومدَّتْ إيران نفوذها في العراق بتأثير من قناعةِ أمريكيَّة بأنَّ الحكومات الشيعيَّة للمنطقة العربيَّة لن تقفَ مناوئةً لها ولمصالحها كالحكومات السنِّيَّة، وما زالت إيران في العراق مدعومةً من قبل روسيا حليفتها ضدَّ أمريكا، ومن حليفتها أمريكا لتنفيذ مخطَّط الشَّرق الأوسط الجديد، ولكنَّ روسيا لم تدع أمريكا تنفرد بالشَّرق الأوسط فإذا بها تفاجئوها والعالم بتحرُّكاتها العسكريَّة المساندة للنظام السوريِّ بإنزال مستشاريها وعسكريِّيها وسلاحها النوعيِّ وبوارجها ومشاتها البحريَّة متزامناً مع موجة السوريِّين الراكبين البحر بمؤامرة تركيَّة نفَّذتها كمرحلة لإفراغ سوريّا سكَّانيّاً، ومن ثمَّ جاءت التحرُّكات الروسيَّة استعداداً لمرحلة تقسيمها، فها هي تبني قرب اللاذقيَّة قاعدةً عسكريَّة وتنقل لها بطائراتها وببوارجها البحريَّة العملاقة أسلحة نوعيَّة بما فيها مروحيَّات ومنظومات دفاعات جويَّة، وتنشئُ مدرَّجاتٍ لطائراتها وميناءً عسكريّاً مدَّعيةً مساندةَ النظام السوريِّ في حربه ضدَّ الإرهاب، وبأنَّ طائراتها تحمل مساعدات إنسانيَّة وأسلحة اتِّفق على صفقاتها قبل الثورة السوريَّة. وما تلكُّؤ أمريكا عن دعم الثورة السوريَّة وعن محاربة داعش فيها إلاَّ لخشيتها موقفاً إيرانيّاً يعيق التفاوض معها حول برنامجها النوويِّ المزعج لإسرائيل، مفاوضات مُدِّدَتْ مرَّاتٍ وزمناً لأهداف إستراتيجيَّة أمريكيَّة وإيرانيَّة وروسيَّة، وما فشل برنامجها لتدريب المعارضة السوريَّة المعتدلة وهي الدولة العظمى إلاَّ تكتيك إستراتيجيّ ليس إلَّا، لذلك لوَّحتْ بعد تحرُّكات روسيا العسكريَّة إلى أنَّها ستعزِّز المعارضة السوريَّة بجنودها وبمستشاريها العسكريِّين، وكلٌّ منهما يدَّعي محاربة داعش، فهل نسيتا هزائمهما السابقة؟، وما أحسبهما إلاَّ مهزومتين بأهدافهما بتقسيم المنطقة العربيَّة وفق مخطَّط الشَّرق الأوسط الجديد، وما أحسب إيران وتركيّا إلاَّ أنَّهما ستنكفئان على بلادهما لمعالجة أوضاعهما التي لاحت بوادرهما في الأفق باضطرابات شعبيَّة، بل ستُرى تداعياتٌ مقبلة ستشغل روسياوأمريكا ببلادهما، فقد تنقل داعش الصراع معهما لأراضيهما إرهاباً وتفجيرات، وحينئذٍ سيُهْزم القطبان في الشرق الأوسط وستَنْهَزِمُ معهما أذنابهما في إيران وتركيّا، بل وستهزم إسرائيل في مخطَّطاتها الأخيرة في المسجد الأقصى حيثُ أعطيتْ الضوء الأخضر منها لاستغلال ظروف المنطقة، فها هو نتنياهو يقترح لقاءً حواريّاً ببوتين بشأن سوريا، وتتوسَّل أمريكا حواراً عسكريّاً مع الرُّوس لتفادي المواجهة بينهما في سماء سوريّا، بل إنَّ أزمة اللاجئين السوريِّين سترسم خريطة أوروبا الجديدة بتفكيك الاتِّحاد الأوروبيِّ، فهل هذا مخطَّطٌ روسيٌّ إيرانيٌّ انتقاماً لتفكيك الاتِّحاد السوفييتي؟!!. وكلُّ أولئك المشاركين في اضطرابات أفغانستان والشَّرق الأوسط وحتَّى الأسد يدَّعون محاربة الإرهاب، ويتعلَّلون بأنَّ تدخُّلاتهم العسكريَّة ما هي إلَّا لحماية مصالحهم، فما تلك المصالح؟، أهي مصالح اقتصاديَّة استيراداً وتصديراً أم إنَّها تتمثَّل بهيمنة وبنفوذ؟، وهل افتقدوا الإنسانيَّة مزيِّفين القيم المتاجرين فيها إعلاميّاً من ديمقراطيَّة وحريَّة وحقوق للإنسان وسلمٍ عالمي؟؛ ولذلك لا تعنيهم مئات الآلاف من ضحايا صراعاتهم التنافسيَّة الانتقاميَّة، ولا عشرات الملايين من المشرَّدين واللاجئين بتأثيراتها، وتبقى هيئةُ الأمم المتَّحدة أمام ذلك كلِّه تتوسَّل متسوِّلةً بمؤتمراتها وبمبعوثيها أمناً وسلماً عالميّاً، فمتى سيحين ذلك؟!!.