لاشك أن المرحلة التي يمر بها المجتمع السعودي تحديدا، تُعد من الفترات الحرجة جدا والعصية على الهضم سريعا. فليس من السهل أن تتمخض كافة الحقول؛ الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية؛ لتُفجر ثقافة جديدة، تُغير نمط الحياة وأساليب التواصل وشكل العلاقات وطرائق التفكير. المشهد اليوم لا يعدو كونه شبكة من التداخلات والتفرعات، فالقضية الاجتماعية تتطلب لحلها معالجة دينية وسياسية وفكرية حتى تتم! وعليه نعي حجم المعوقات الحائلة دون معالجة أبسط القضايا وأخفها. الأمر الذي يدفعنا للتعمق قليلاً في لُبّ البنية الأساسية المؤثرة. بلمحة سريعة، نُدرك التباين بين المجتمعات المختلفة، ومحركاتها الفكرية وطموحاتها الاستشرافية، وبطبيعة الحال، للحالة الدينية والسياسية مكان الصدارة في بناء إنسان المنطقة والمجتمع لصناعة الأوطان. بعد ذلك، يأتي السؤال: أين موقعنا في السلم المجتمعي؟ عبور الإنسان على محطات الماضي والحاضر وترقب المستقبل، يجبره على إحداث تغيير في التعاطي مع هذه الفترات الزمنية المتعاقبة. المجتمعات ترتعش داخليا، وهذه الرعشة تتصاعد كلما ارتفعت حاجة المجتمع إلى تغيير الأنظمة والأعراف السائدة، وبرغم وجود قوى المعارضة التقليدية، إلا أنها تخضع لا محالة لعجلة التقدم والتواتر السريع، فالتحديث مستمر ولا ينتظرنا! ولكن هل نصل سريعا أم بعد فوات الأوان؟ قال تعالى «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون»، إنه برهان قاطع على مشيئة الله المتعمدة في خلق الاختلاف. فهل تبقى إرادة الله وسنته في خلقه؟ أم ينتصر هوى الإنسان في إلغاء الآخر؟ سنخرج من هذه العتمة لا محالة كما خرجت أوروبا من عصور الظلام إلى نور نهضة الإنسان. لكن ربما بعد حين لا نعلمه! قضايا المرأة والأحوال الشخصية، التي تُعثر مسار الحياة الاجتماعية الطبيعية، هي الأخرى ترتبط بالقاعدة التشريعية ارتباطا وثيقا، بل و يدعمها المنحى السياسي، فلا نجد أنفسنا إلا أمام موجات من المواجهة والتحدي والتخطي. وقد ترتطم بعد كل ذلك بالفهم الاجتماعي التقليدي؛ «ما الحاجة لطرح القضية النسوية»؟!، «لاشك أنها محاولات لتسقيط خصوصية المرأة المسلمة – السعودية تحديدا-»! نمطية الرؤية والتطلع؛ هي الأخرى ستقفز. فمعدلات التميز وجوائز الإبداع والابتكار التي ينالها أبناء هذا المجتمع، ستسهم في إحداث نقلة كبيرة وستؤثر على الحياة بشكل عام. أحلام الأطفال لم تعد بريئة، ورغبة الشباب الجامحة لن ترضيها آفاق محدودة ونصف مؤجلة! الصراعات تعصف بكافة الميادين؛ والتصادم لم يعد خاصا بجزء دون الآخر، بل إن المنظومة ترتج كتلة واحدة. وكعادة المراحل التحولية تطحن بين أرجلها خسائر باهظة، لكن الضباب ينقشع لا محالة، تصفو السماء ويعتدل الطقس العام، ويبدأ موسم جديد. عندها يتحول هذا الحاضر إلى ماضٍ غابر مُدون في سجلات التاريخ. فهل يمكننا تجاوز هذه المحطة والقفز فوق نارها؟ ربما لو أننا نُفكر بطرق مختلفة، أو بالاستفادة من التجارب العالمية السابقة، لتجنبنا خطر السقوط في الهاوية.