أصبحت التحولات السياسية والاجتماعية والدينية، تقلق كثيراً من المربين اليوم، فالتفكير في مستقبل أبنائهم صار هاجساً مُرهقاً وثقيلاً عليهم. الشيء الذي يمكننا اعتباره إيجابياً لو تم استثماره بشكل بناء. فمع التطورات السريعة في مختلف المجالات، مازالت الأسرة العربية تحاول جاهدةً الحفاظ على كيانها المتماسك وهويتها الدينية، فتظل تكافح من أجل الوصول لأحدث وسائل التربية، التي تتماشى مع الجديد وتُمسك بالأًصيل. هنا يمكننا التصريح بأن التغيير آتٍ لا محالة، ومازالت فرصة البحث عن بدائل وسُبل حديثة خيراً من الاكتفاء بالتفرج والتأسي! تُعد المرجعية الذاتية، من أهم قواعد التربية الحديثة، التي بلا أدنى شك قادرة على مواكبة التحولات على مر الأزمنة. قضية الولاية والوصاية، صارت محط استنكار لدى كثيرين، فالإنسان الذي عاش زمناً طويلاً، ملتزماً بقوانين المجتمع والدين، أدرك حقه في التعبير والمطالبة والاستقلالية وصار يتوق إلى التحرر. وهنا يأتي دور التربية في بناء شخصية ذات مرجعية داخلية، قادرة على حمل المسؤولية الكاملة ومواجهة الواقع بجدارة. احترام الاختلاف والتعاون مع الآخرين، بات شرطاً أساسياً للتعايش والتكييف مع الواقع المتحول. الانكفاء على الذات في واقع متغير بسرعة، أشبه بعيشٍ في عالمٍ متأخر، لا يضمن استمرارية الإنتاج الإنساني بشكل معاصر. وكذلك التعصب، هو الآخر أثبت فشله في تكوين أرضية تستوعب التعدد الإنساني الطبيعي في الحياة. حدوث تغييرات، يتطلب قدرة على تحديد المشكلات الجديدة، وبالتالي تكون هناك حاجة إلى تحليل وصياغة حلول تتناسب مع متطلبات الإنسان والواقع. مواجهة الأوضاع الراهنة بمزيد من التفكير الهادئ والمنطقي لإيجاد مداخل سليمة لتحقيق الأهداف المرجوة، ليس أمراً سهلاً، فهو بحاجة إلى معالجة جدية وتعاط متوازن مع الظروف للوصول لنتائج مُرضية. توجيه التفكير النقدي والمنظومي، وهو ممارسة التفكير المنطقي السليم في فهم القضايا المعقدة، وربطها بصلات مع الأنظمة الأخرى. الأمر الذي يزيل حاجز بعض المفاهيم التي طبقها الإنسان فترة من الزمن كمسلمات، في حين أنها قابلة للطرح والمناقشة الموضوعية. حيث أن توظيف العقل الناقد بشكلٍ منظم يسهم كثيراً في بناء الإنسان، ويتجلى ذلك في خطوات التغيير وقناعات التحول التي يتبناها بنفسه. فتوجيه النقد وتهذيب مساره، يعمل على تصحيح الأخطاء و الاستفادة من الإخفاقات، ومحاولة تجاوزها في بناء أمة كاملة. إجمالاً، لا ضير من القلق بشأن الغد المجهول، لكن التفكير سمة الأذكياء، والبحث عن السبل والوسائل من أجل تسليح الإنسان فكرياً، هو الطريق المؤدي إلى الفوز والنجاح. تهيئة الإنسان لاستيعاب العالم المتنوع، يرفع مستوى التأهب الذاتي وإمكانية تحقيق الغايات النبيلة في الحياة.