غداً ينصرم العام الهجري السادس والثلاثون بعد الألف والأربعمائة، ونبدأ بعام هجري جديد نتطلع فيه أن يكون عاماً يحمل في طياته الأمن والسلام والاستقرار للعالم أجمع، وأن تكون بداية هذه السنة الهجرية بداية خير وبركة وانتصار للمسلمين، وبداية انكسار واندحار لأعداء الإسلام والمسلمين. كان أكبر وأهم حدث وقع في هذه السنة، هو القرار الصائب من ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه بانطلاق «عاصفة الحزم»، التي يقودها التحالف العربي لإرجاع الشرعية في اليمن، ودحر الحوثي وأنصاره من الداخل والخارج والقضاء على نفوذهم وهيمنتهم على اليمن، وهاهي بوادر النصر والخير بمشيئة الله تعالى قريبة، وسيكون النصر من بواشير السنة الهجرية الجديدة، وذلك بتحرير صنعاء والقضاء على الميليشيات الحوثية والعصابات الموالية لها، وإرجاع الشرعية في اليمن. وفي هذه السنة أيضاً عشنا أحداثا جساماً ومؤلمة لنا، كانت بسبب التطرف والإرهاب الفكري الذي يعيشه قلة من شباب هذا الوطن بسبب الجهل والحماقة منهم، لأنهم أصبحوا أدوات في أيدي أُناس يحثونهم على القتل والتفجير وترويع الآمنين، وكان نتاج ذلك مع الأسف الشديد، التفجيرات التي حدثت في جوامع بالمنطقة الشرقية ومنطقة عسير والناس تؤدي صلاتها المفروضة عليها، وذهب ضحيتها عشرات الأبرياء من المواطنين، أضف إلى ذلك الأحداث المؤسفة التي حدثت من بعض الجهلة بقتل أقرب الناس إليهم ظناً منهم أن هذا الأمر هو الصواب، فماذا دهى أولئك البشر؟ وماذا جرى لعقولهم حتى ينقادوا إلى مثل هذه الأعمال؟ أسئلة أتركها للقارئ لعله يجيب عليها من نفسه وكل من خلال وجهة نظره. في المقابل تمكن رجال الأمن الأشاوس من إحباط عمليات تفجير كادت تقع في بعض الأماكن بالمملكة، وإلقاء القبض على كثير من الإرهابيين الذين يحاولون المساس بأمن هذا الوطن، وكانت الضربة القوية هي: القبض على الإرهابي السوري ودخول منزله المفخخ، وإحباط عملية تصنيع كبيرة لمواد مفجرة وأحزمة ناسفة كانت مجهزة لضرب مواقع وتجمعات سكانية كبيرة، هذه الأعمال تحتاج منا جميعاً إلى وقفة صادقة مع الوطن، وأن نكون يداً واحدة لدحر الإرهاب بأنواعه، السياسي والفكري والاجتماعي، ولا نعطي فرصة لأي كائن من كان أن ينال من بلدنا شيئا، وكلّ فرد على حسب قدرته إما بالقلم أو الوعظ أو النصيحة أو الإرشاد. وبما أننا على أعتاب سنة جديدة وفي نهاية سنة هجرية، سوف ترحل بما تحمله من مآس وأفراح، فحري بنا أن نراجع أنفسنا وما تحصلنا عليه في السنة الماضية، وهل تحققت أهدافنا أم لا؟، لأن مراجعة النفس وما حققته من إنجازات أو ما تعرضت له من إخفاقات أمر لابد منه، فتشخيصك لنفسك وإعادة صناعة الخطط من جديد وترتيب الأهداف مرة أخرى، ربما تعينك على تخطي الصعاب أو الأخطاء التي قد وقعت بها في السابق، وهذا يندرج علينا جميعاً من أولياء الأمور والمعلمين وربات البيوت والطلاب ورواد الأعمال وغيرهم من الشرائح المجتمعية المتنوعة. رحيل هذه السنة وقدوم سنة هجرية جديدة يذكرنا بهجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى يثرب بعد أن قضى بمكة 53 سنة دعا فيها قريش لمدة ثلاث عشرة سنة، إلا أن أغلبهم تصلبوا وعاندوا وكانوا أشد أعدائه ضد دعوته عليه أفضل الصلاة والتسليم، وتذكرنا أيضاً ببداية تأسيس أول دولة إسلامية في يثرب أسسها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت حدودها يثرب ولم يمض سوى عقدين من الزمان حتى وصلت الدعوة الإسلامية الآفاق البعيدة، كما تذكرنا نهاية سنة وبداية سنة جديدة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العطرة في مكة، أثناء طفولته وشبابه ومن ثم بعثته وهجرته إلى يثرب، والأحداث التي حدثت من غزوات لمدة عشر سنوات فقط، كما تذكرنا بداية كل سنة هجرية الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب الملقب ب «الفاروق»، عندما أقر بداية التاريخ الهجري وجعل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي بداية لاحتساب سنوات المسلمين الهجرية. ختاماً، الأيام تُطوى والزمن يسير ونحن مطالبون بأن نجعل لنا هدفا في مستقبل أيامنا، فالحياة بلا هدف عبء ثقيل، كيف وقد أمرنا الله أن نختار لمعاشنا أحسن الطرائق مما يحبه الله لعباده، لا تتردد ولا تنهزم فالتجارب العاثرة في الأعوام الماضية لا يعني أن باب الأمل قد أُغلق وأن الفرصة قد فاتت، بل علينا أن نتسلح بالأمل والتفاؤل، وكما يقال هو من باب التوكل على الله، فحذاري من الانكسار والاستسلام، فالله فضله واسع وسننه جارية، وكل سنة وأنتم بألف خير.