يركض باعة الورد عند إشارات المرور، يهجمون عليك، وهم يمسحون وجوههم من الرطوبة بأطراف قمصانهم، ويؤشرون لك لتفتح زجاج نافذة سيارتك، ليمدوا لك حزمة ورد لا شكل له ولا رائحة، وهو يشبه إلى حد كبير الورد الصناعي. حتى في تعاملنا مع الورد نستحضر جفاف الصحراء. وأنا أتحدث إلى بائع الورد، وهو من دولة جارة، تذكرت بائعة ورد في دولة أوروبية، كانت تفترش الأرض تحت ظل الأشجار الجميلة، وقد وضعت أمامها أنواعاً كثيرة من الزهور والورد، وتبللت باقاتها برشات المطر، وكيف كانت ترتب بابتسامتها حزمة الورد المنوعة ذات الشكل المتناسق والرائحة العطرة. ثقافة الورد هي امتداد لثقافة المجتمع، قد يكون للطبيعة والبيئة علاقة بها، لكنها حتماً ترتبط برهافة الحس لدى الإنسان. في مجتمعنا ارتبط الورد بالمناسبات، وزيارة المرضى فقط، ومن النادر أن نجده جزءاً من سلوك يومي. لدينا محلات لبيع الورد، وهي محلات تستورده من كل مكان، بمعنى أنك قد تجد كل الألوان والأشكال إلا أنها تكلفك كثيراً من المال. الورد لم يصبح شيئاً أساسياً في حياتنا ربما لأننا لم نعتد عليه، أو ربما بسبب غلاء سعره، أو لأننا لا نجده في أي مكان، وفي أي وقت. مَنْ منا يهدي زوجته، أو أخته، أو أمه، أو أخاه، أو أباه وردة كل يوم، أو كل أسبوع، أو كل شهر، أو حتى كل عام!؟ هل سبق أن فاجأك أحدهم بوردة، أو أنت فاجأت أحدهم بوردة؟ نحن نحتاج إلى أن نتبادل الورد بدلاً من المشادات، والعنف، الذي يحوِّل حياتنا إلى جفاف وبؤس. نحن نحتاج إلى شيء من الرومانسية مع مَنْ حولنا من الأصدقاء، وزملاء العمل، والأقارب. حتى لو لم نتبادل الورد، فالنتكلم الكلام الذي يشبه الورد. نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن ننثر الورد في شوارعنا، ومدارسنا، ومكاتبنا، ومجتمعنا، أن ننثر كل أنواع الورد من الكلام الجميل، والنفوس السمحة، إلى ورد الياسمين، والمحمدي، والبنفسج. كل عام وأنتم بورد وبياض.