يجب ألا يكون النظر إلى قيمة الدولة من زاوية الخدمات التي تقدمها للمواطنين فقط، فوجود الدولة اليوم هو ضرورة من ضروريات النظام العالمي، وهي الوحدة السياسية المعترف بها. كما أن الدولة توفر للإنسان الحاجة إلى الانتماء الوطني الذي أراه اليوم من أهم الحاجات الإنسانية، كل هذه الأمور تبين لنا ماذا يعني وجود الدولة؟ ولماذا يحتاج الناس للعض عليها بالنواجذ، والدفاع عنها بكل ما يملكون؟ ولو نظرنا إلى المناطق المجاورة التي فقدت فيها قوة الدولة لوجدنا البديل للدولة والانتماء الوطني الجامع الذي تمثله هو ذلك الانفجار المذهل للقوى الطائفية والقبلية وقوى المناطقيات والأعراق والإثنيات بكل ما تحمله من قوة تدمير هائلة، فكل من هذه القوى التدميرية تريد أن تقدم نفسها بديلاً للدولة. إن هذه البدائل المزعومة تأخذ المجتمعات إلى «جاهلية جديدة» يسود فيها التعصب، وتنعدم فيها الحياة وخدماتها الأساسية من أمن وتعليم وطب وتوفير نطاق انتمائي يستطيع أن يعيش به الإنسان في عالم اليوم. لقد شعر الناس بعد استعادة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لملك آبائه وأجداده بتوفر أهم عملة في حياة البشر وهو "الأمن"، وقد كان تحقيق الأمن هو المفتاح الذي قاد إلى ما تبعه من مكتسبات للوحدة الوطنية العظيمة، لذلك نجد كنت وليمز عندما كان يحاول إيجاد السر وراء نجاحات الملك عبدالعزيز يذكر أن الأساس الذي قاد إلى ذلك كله، هو تحقيقه للأمن المطلق، والنظام في المملكة. ويقول: "قد استطاع ابن سعود بشخصيته القوية الجبارة أن يوطد الأمان في البلاد"، وقد ترتب على تحقيق هذا الأمن المفقود سابقاً بشقيه المادي والفكري، أن استعاد الناس ثقتهم في أنفسهم، وانخرطوا في البناء والتنمية، وتنافسوا في تحقيق ذواتهم، وخدمة وطنهم، وكل ذلك بعد أن ذاقوا: "لذة الوحدة الوطنية". ولعل أجمل تعبير عن مكتسبات الوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية قد جاء على لسان الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- عام 1351ه، وهو يتحدث حينها عن اللحظة التي تم فيها إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في الاحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة في عاصمة العز والشموخ "الرياض".. يقول رحمه الله: "إننا لم نكن نشعر منذ تأسيس هذه المملكة بأي تفرقة بين أبنائها لأن الله قد وحد بينهم في الدين واللغة والقومية، ولذلك فإننا لم نرَ مانعا في اختلاف الأسماء من قبل، ولكنه عندما أعربت الأمة عن رغبتها في هذا التوحيد في الاسم أيضاً وافق عليه جلالة الملك -أيده الله-، واتخذ منه دليلاً على نضوج الرأي العام وشدة ترابطه، بل وتمكن الحب من قلوب أبناء الأمة ما جعلهم يتذوقون لذة الوحدة. وإن في احتفالنا هذا ما يعبر عن ذلك أصدق التعبير، وإنني أعلن باسم جلالة الملك -أيده الله- أن هذه المملكة أصبحت (المملكة العربية السعودية) بدلاً من (مملكة نجد والحجاز وملحقاتها)، إيذاناً بزوال جميع الفوارق التي قد تضن بين أجزاء هذه المملكة". فعبارة "لذة الوحدة" هي تعبير دقيق لما شعر به أبناء الوطن حين إعلان توحيد المملكة العربية السعودية لا سيما وأنهم قد عاشوا مرحلة ما قبل الحكم السعودي ويعون تماماً مدى الفرق بين المرحلتين، ونظراً لهذه الحقيقة فقد "تمكن الحب من قلوبهم" و"الوعي في عقولهم" حتى فرحوا بهذه الوحدة، وتمسكوا بها، وشعروا بلذتها، مثل هذا الإحساس والشعور والإدراك يجب أن يصل إليكم شباب وشابات هذا الوطن، حتى وإن لم تعيشوا فترة ما قبل الحكم السعودي، فعن طريق دراسة التاريخ وقراءته وتأمله، وعن طريق المؤسسات التربوية المختلفة بدءاً من مؤسسة الأسرة التي عليها دور كبير في تعزيز هذه المكتسبات في نفوس أفرادها، مروراً بمؤسسات المدرسة، والمسجد، والإعلام، والجامعة ستدركون أهمية الوحدة الوطنية، وستشعرون بلذتها.