اليوم الثلاثاء حيث أجهز هذا المقال ، اليوم هو اليوم العالمي للقصة القصيرة ، وكانت جمعية الثقافة والفنون بالشرقية ستحتفي بالمناسبة إلا أنها تضاربت مع مهرجان الجنادرية .. على كلّ القصة القصيرة لها الله . حيث سرقت الرواية منها الكثير من الأضواء ، لكنها حتماً لن تعدم محبيها .. واليوم هو يوم الحب أو الفلنتاين ، وهو يوم الورد الجوري الأحمر . ولعل النوع البلدي منه أجمل شيء ، فالورد الأحمر الحالي لون وشكل بلا رائحة ، وهو يشبه البنت الجميلة الفارغة .. مناسبة الورد تجعلني أخرج قليلا عن دائرة الرعب والتعطش للدماء وأنتقل في هذا الحيز القليل بين الورد وبين القصة القصيرة ، لعلي أزاوج بين الحب والابتسامة والإمتاع .. أغنية محمد عبدالوهاب (يا ورد من يشتريك وللحبيب يهديك) هي من أجمل الأغاني لحناً وكلمات .. وكلما تقادم بها الزمان زادها جمالا . (يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك يهدي إليك الأمل الهوى والقُبل : يا ورد أبيض غار النهار منه خجول محتار باس الندى ف خده وجرت عليه الأغصان راح للنسيم واشتكى جرّح خدوده وبكى أفدي الخدود التي تعبث في مهجتي). وتستمر كلمات الأغنية جميلة تعدد ألوان الورد ومعانيها ، قبل أن نعرف الفلنتاين وما زالت تتجدد بعده . الورود وأغانيها كثيرة ، ولعل أغنية واحدة يغنيها أكثر من مطربة ومطرب ، لنأخذ أغنية الورد جميل : (الورد جميل وله أوراق عليها دليل من الأشواق إذا أهداه حبيب لحبيب يكون معناه وصاله قريب شوف الزهور واتعلم.. بين الحبايب تتكلم). فنجد كم هو فرق عندما يغنيها/ زكريا أحمد ، ملحنها ذاته وعندما تغنيها أم كلثوم ، وكلاهما نطرب له .. أما فيروز وأغنية ( دقيت طل الورد من الشباك .. ) من مسرحية (ناس من ورق) ففيها من الجمال الشيء الكثير . (انت وأنا يا ورد..واحدنا بهونيك ليلة برد حكيت الدنيا حكاية الحلواية فايق وشو طالت.. فايق حكاية الحلواية). وقبل أن يأكل الورد المساحة عن القصة القصيرة سأكتفي بهذه الطرفة : نالت أغنية حضيري أبو عزيز : عمي يا بياع الورد سمعةً كبيرة في الأوساط الشعبية قبل زمن طويل وخاصة في نجد والخليج العربي وطبعا العراق ، كانت تذاع قبيل الظهر ، ويحكى أن رجلا اشترى مذياعاً ،واشترط على البائع أن فيه حضيري أبو عزيز . وعندما فتحه لم يجده ، فقام بإرجاع المذياع لان البائع غشه. للقصة القصيرة كيان ، ولها معجبون وقد قيل منذ زمن إن ساحة القصة القصيرة ساحة تجيد النساء اللعب بها ، فقد تعلمت المرأة ذلك منذ عرفت الغزل فهي تغزل الثوب كما تغزل الحكاية . كما أن جدتها شهرزاد غزلت من الحكاية درعا يقيها الموت فأنجبت خلال ذلك الأولاد (عجبا لم تنجب بناتٍ ) . ولكن هناك من الرجال من تجاوز الكثير من النسوة في القصة القصيرة ، وطوعها وفي خلال ذلك شق أثواباً لم تجرؤ النساء على شقها . وإذا كانت مقامات الحريري هي نواة للقصة القصيرة المكتوبة فإن الجاحظ في بخلائه قد تجاوز ذلك كثيرا ، فكل حكاية هي عبارة عن قصة قصيرة متكاملة الأركان لو قسناها على الأركان التقليدية للقصة القصيرة . وقبل هذا وذاك كانت القصص المحكية تمر عبر الأجيال تتناقل وتتواتر وتنمو . وفي خلال سيرها تأخذ من كل مجتمع إضافاته .. القصة القصيرة هي تهدف لبحث كثير من أمور حياتنا لعل أهمها الإمتاع عبر الحبكة والحدث وسلاسة اللغة مع وصول الفكرة سالمة للمتلقي .. وهذه لا تأتي إلا من خلال الصور الجميلة التي يضعها الكاتب ، وتعتني النساء عادة في القصة القصيرة تماما كما تعتني بطبخة لذيذة وجميلة المنظر لأسرتها. لايكفي الطعم اللذيذ لكن مع طبق جميل مزين بالحب والثقة .. إذا كانت القصة القصيرة لها أركانها الجميلة ، فإن القصة القصيرة جدا أخذت حيزا كبيرا جديرا بالجهد المبذول بها ، فالقصر لا يعني البتر وإنما يعني كثافة في الصورة والمعنى توصل الفكرة بأقصر الجمل . وفي أحيان كثيرة تكاد القصة القصيرة جدا تكون شعرا منثورا . أختم بطرفة : سئل رجل عن قصة النبي يوسف فقال : وليد ضاع ورده الله إلى أهله ..