أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مجلس الأمن الدولي بنيَّته تشكيل فريق بقيادة 3 أشخاص للتحقيق بشأن الهجمات الكيميائية الأخيرة في سوريا، فيما جدَّدت واشنطن التزامها بتحقيق انتقال سياسي في دمشق لا يشمل نظام بشار الأسد. وستعمل اللجنة التي تحدَّث عنها بان كي مون على تحديد من يقف وراء الهجمات الكيميائية استناداً إلى قرار في هذا الصدد صدر عن مجلس الأمن الشهر الجاري. وحدد الأمين العام مهمة اللجنة في رسالة من 7 صفحات يُفترَض أن تحصل على ضوء أخضر من المجلس قبل البدء في اختيار قادة التحقيق الثلاثة. وكانت منظمة «أطباء بلا حدود» أفادت بمعالجتها مدنيين عانوا من تعرضهم لمواد كيميائية في بلدة مارع القريبة من مدينة حلب (شمال سوريا) بعد هجومٍ الأسبوع الماضي. وذكرت الجمعية الطبية الأمريكية- السورية أن أطباءها اكتشفوا أن هذه المواد هي غاز الخردل. وقبل أسبوعين من ذلك؛ رشحت معلومات عن استخدام تنظيم «داعش» الإرهابي الغاز نفسه ضد مقاتلين أكراد عراقيين. واعتبر بان كي مون، في بيانٍ له مساء أمس الأول، أن «استمرار التقارير عن استخدام أسلحة كيميائية واستخدام مواد سامة في النزاع السوري يشكِّل مصدر قلق كبير». وأقرَّ ب «تحمل الأسرة الدولية مسؤولية محاسبة مرتكبي هذه الأعمال والتأكد من أن أسلحة كهذه لن تُستخَدم كأداة في الحرب بعد الآن». ولاحظ دبلوماسيون أن أمام مجلس الأمن 5 أيام لتحديد موقفه من لجنة التحقيق المقترحة. وفي حال عدم وجود أي اعتراض؛ يبدأ الأمين العام في اختيار المحققين «على أساس الخبرة المهنية مع مراعاة قاعدة جغرافية تتسع دائرتها قدر الإمكان»، وفق ما جاء في الرسالة التي حصلت وكالة «فرانس برس» على نسخة منها. وأحدث مجلس الأمن بموجب قرار تقدمت به الولاياتالمتحدة وتم تبنيه في ال 7 من أغسطس الجاري آلية تحقيق مشتركة بين الأممالمتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وهدفت هذه الخطوة إلى «تحديد الأفراد والكيانات والمجموعات والحكومات التي تنظم أو ترعى أو تنفذ هجمات بالأسلحة الكيميائية». وتنسب دول غربية عدة هجمات بمواد سامة إلى نظام بشار الأسد، في حين تتحدث موسكو عن غياب أدلة دامغة على تورط حليفها. ووفقاً لرسالة الأمين العام الأممي؛ سيقود 3 خبراء مستقلون التحقيق المقترح، وسيدعمهم فريق من المهنيين على 3 مستويات هي مكتب سياسي وقسم للدعم اللوجيستي في نيويورك ومكتب تحقيق مكلف بالتحاليل العلمية ومقره لاهاي في هولندا. ولا تحدد الرسالة العدد الإجمالي لمن سيُكلَّفون بالتحقيق ولا موعد بدايته ميدانياً. لكنها حددت 90 يوماً يقدم الخبراء بعدها تقريرهم الاول. وسيكون بإمكانهم التحقيق في أماكن الهجمات المفترضة وفي المستشفيات التي عولج فيها الضحايا. كما سيُتاح لهم توسيع التحقيق إلى أي مكان آخر في سوريا بما فيها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وإلى الدول المجاورة إذا اقتضى الأمر. وشددت الأممالمتحدة على ضرورة «التعاون التام في التحقيق من قِبَل كافة أطراف النزاع وضمنها الحكومة السورية وباقي الأطراف المعنية وخصوصاً المعارضة المسلحة». وتطلعت إلى وصول المحققين إلى كافة الأماكن المشبوهة والشهود والمؤشرات المادية، داعيةً كافة الأطراف إلى الالتزام بهدنة في الأماكن التي يجري التحقيق فيها. كما دعت الدول المجاورة إلى تسهيل عمل المحققين. في غضون ذلك؛ جددت واشنطن التزامها بتحقيق انتقال سياسي في دمشق بعيداً عن بشار الأسد بالتزامن مع وصول مبعوث أمريكي خاص بسوريا إلى موسكو لإجراء مشاورات. وشددت وزارة الخارجية الأمريكية على «مواصلة الولاياتالمتحدة التزامها القوي بتحقيق انتقال سياسي حقيقي قائم على التفاوض بعيداً عن بشار الأسد بهدف وضع حد للعنف». وحذَّرت في بيانٍ لها من أن «استمراره في السلطة يزيد التطرف ويذكي التوترات في المنطقة، لهذا فإن الانتقال السياسي ليس ضروري فحسب لصالح الشعب السوري بل يُعد جزءاً مهماً في القتال من أجل هزيمة المتطرفين». ميدانياً؛ تقدَّم مقاتلون بينهم متشددون منتمون إلى «جبهة النصرة» في اتجاه مطار أبو الظهور العسكري. ويُعد المطار آخر نقطة عسكرية تابعة لقوات الأسد في محافظة إدلب (شمال غرب سوريا)، حسبما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان. يأتي ذلك فيما شن الطيران الحربي للنظام غارات جوية على مناطق عدة في ريف دمشق. وأفاد مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، ب «شن جبهة النصرة ومقاتلين من فصائل إسلامية منذ مساء الخميس هجوماً عنيفاً على مطار أبو الظهور العسكري المحاصر منذ أكثر من عامين»، مشيراً إلى «تمكُّن المهاجمين من السيطرة على بوابته الرئيسة من الجهة الشمالية ونقاط عدة عند أطرافه». ووفقاً لعبدالرحمن؛ فإن «أعداداً كبيرة من المقاتلين هاجموا المطار تتقدمهم مجموعات انتحارية اقتحمت البوابة الرئيسة بواسطة دراجات نارية». وترافق القتال مع غارات جوية مكثفة ينفذها طيران النظام على محيط المطار الواقع في جنوب شرق مدينة إدلب ومع قصف عنيف لمواقع المهاجمين. وتسببت المعارك والتفجيرات والقصف في مقتل 16 عنصراً من جنود الأسد والمسلحين الموالين له و18 آخرين من المقاتلين المعارضين ومسلحي «النصرة». ونفذ المهاجمون قبل 3 أيام هجوماً مماثلاً على الموقع نفسه قُتِلَ فيه 10 منهم، لكنه لم يكتمل. وباتت محافظة إدلب بمجملها خارج سيطرة حكومة دمشق باستثناء «أبو الظهور» وبلدتي الفوعة وكفريا اللتين تتمركز فيهما ميليشيات لحزب الله اللبناني. وفي ريف دمشق؛ شن طيران النظام غارات جوية استهدفت مدينتي دوما وداريا وبلدة مديرا في الغوطة الشرقية، في وقتٍ سقطت قذائف على مدينة معظمية الشام في الغوطة الغربية وتسببت في مقتل شخصين وإصابة آخرين بجروح. وتسيطر قوات معارِضة على معضمية الشام. وفيما تواصَل القتال والقصف؛ زار المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، مايكل راتني، روسيا أمس وسط جهود دولية لإنهاء الحرب التي بدأت قبل أربعة أعوام. وعُيِّنَ المبعوث الجديد في منصبه الشهر الماضي بعدما عَمِلَ في وزارة الخارجية في بلاده مسؤولاً عن شؤون الشرق الأوسط. والتقى راتني في موسكو نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وعدداً من كبار المسؤولين، لكن لم تتكشف على الفور أية تفاصيل عن هذه الاجتماعات. ورأت سفارة واشنطن لدى موسكو في الزيارة تجديداً ل «تأكيد التزام الولاياتالمتحدة القوي على العمل مع المجتمع الدولي لمساعدة السوريين على إرساء أسس مستقبل حر وديمقراطي وتعددي». ويُتوقَّع توجُّه راتني لاحقاً إلى جنيف ثم الرياض لعقد مزيد من الاجتماعات بشأن الأزمة.