أكدت الحوادث الإرهابية التي حدثت في الدالوة بالأحساء، والقديح في القطيف؛ والعنود في الدمام (ظهر أمس) أن العمليات الإرهابية مستمرة، وتتمدد، فبعد سقوط 8 شهداء، و28 جريحاً في «الدالوة» إثر إطلاق رصاص، تصاعد الحدث في مسجد الإمام علي بالقديح، ليسفر عن 21 شهيداً، و102 «جريح»، جراء تفجير إرهابي! ومحاولة الدخول لمسجد الأمام الحسين في العنود بالدمام يوم أمس في زي امرأة، واستشهاد المفتش الدكتور عبدالجليل الأربش وآخرين. الأمر الذي يشير إلى تطور في نوعية الجريمة، ومستوى الكوارث الناجمة عنها، كما أنه يعتبر تجاوزاً على الأمن، وتهديداً للسلم الأهلي، ما أوجع المواطنين سُنة، وشيعة؛ فجاءوا وفوداً، واحتشدوا جماعات، وأفواجاً لتعزية أهالي الشهداء، في موقف وطني فريد، تتميز به بلادنا في مثل هذه الأزمات. لكن العجب، كل العجب في استمرار ثلة تحريضية في ممارسة دورها التخريبي بمباركة، وفرح، وتوعد بمزيد من النكبات اللاإنسانية، فكيف يمكن إيقاف هذه التجاوزات الكارثية؟ إن الأصوات الشعبية طالبت، ومازالت، بتطبيق نظام تجريم الطائفية، وذلك لما لها من خطر كبير على الوطن، وقد توعّد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بمحاسبة كل مشارك، ومخطط، وداعم، ومتعاون، ومتعاطف مع هذه الجرائم، في خطاب أعاد الأمل إلى نفوس أهالي المنطقة خاصة، والشعب السعودي عامة، وهذا ديدن الدول المتقدمة، التي يحتكم شعبها لقانون يضبط الحياة، ويضمن حقوق المواطنين، ويؤمن بوجودهم، ودورهم، ومساهمتهم في البناء والتقدم الإنساني والوطني. إننا اليوم نواجه «الأثر»! فقبل سنوات لم تكن العاقبة واضحة للجميع؛ ربما لانعدام الرؤية المستقبلية، أو لسوء التنبوء بمخرجات التفريق بين المسلمين، وبين المواطنين، أو لقلة الوعي، والاطلاع على تجارب الاحتراب الطائفي، وما أنتجته من عواقب كارثية على أممها؛ ومنها ما توقف بعد سيل من الحروب الدموية، والاقتتال الطائفي؛ مثل التجربة الأوروبية. إن همَّنا الوطني اليوم هو إيجاد حلٍّ ومخرج لهذه الأزمة، التي نزلت علينا بلا رحمة، ومازال هناك أمل في الخروج منها؛ فعلى الرغم من تعقُّد المشكلة، واستفحالها، إلا أن الوقت مازال في أيدينا لانتشال بلادنا من خطر الدخول في حرب دموية، تسيِّرها الطائفية العدائية المتراكمة. فرصتنا اليوم بالمبادرة الجادة لاستدراك الوضع، والإصلاح؛ بتضافر الجهود، وتكامل الأدوار بين الشعب بكل أطيافه، والدولة، بفرض قانونها، وسلطتها، للضرب على أيدي المخربين. وما بين أفراد، وجماعات إجرامية، وتخريبية، بفكرها، ومنهجها، في حاجة إلى المحاسبة والمقاضاة – وهؤلاء يوقفهم، ويكف ضررهم تطبيق القوانين – هناك أيضاً أجيال حاضرة، ومقبلة، في حاجة هي الأخرى إلى النظر الجاد إلى منهجية تنشئتها، وتربيتها، وتعليمها قيم التسامح واحترام الآخر، وجعلها تعلو أي اختلاف، لضمان سلامة المستقبل المقبل، فالخوف اليوم أصبح يساور كلتا الطائفتين، لأن الخسارة تطال الجميع، بالتفجير، أو التغرير بالشباب، ناهيك عن أن الإرهاب يتمدد، ويستوطن كلما سنحت له الفرصة، وهنا يتفق الشرفاء من السنة والشيعة على ضرورة الوقوف ضد الفكر التحريضي المولِّد للإرهاب. ستنطوي مرحلة التنظير، والمواقف المرتبطة بالحدث، لندخل مرحلة الإصلاح العملي العلاجي بتطبيق القانون على المحرضين، ومحاسبتهم، والوقائي والنمائي بإعادة النظر في الرؤية التربوية والتعليمية لتنشئة جيل مشرق جديد.