يبدو جليًا الآن، أن إستراتيجيات الإرهابيين السابقة كانت ترتكز على العمل الإرهابي نفسه في إحداث الدمار والتغيير الذي تنشده، غير أن حصانة المجتمع ويقظة المؤسسة الأمنية في بلادنا حاصرتا تلك الإستراتيجية في كل زاوية حتى لفظت أنفاسها أو كادت، اليوم يبدو أن الإرهابيين ينتهجون منهجًا جديدًا يشابه منهج المحافظين الجدد في الدفع باتجاه الفوضى الخلاقة ولكن بأدوات مختلفة، فلم يعد العمل الإرهابي في إستراتيجيتهم أكثر من شرارة يراد لها أن توقد نارًا كبرى تأكل الأخضر واليابس، فتفجير مسجد القديح في القطيف وإزهاق أرواح شهداء أبرياء لم يكن المقصود منه سوى إيغال الصدور، وإشعال الفتنة لخلق الفوضى العارمة والانتقام تلو الانتقام! ليس من الصعوبة قراءة المنهج الداعشي باستهداف جميع مكونات الوطن، فالداعشيون يرون السعوديين بعين واحدة سنة كانوا أم شيعة، وأي قراءة لإرهاب هذه العصابة في سياق الفعل السني المذهبي هي نتيجة ونجاح باهر يسعون لترسيخه في المجتمع، لكن يدهم الآثمة طالت الجندي الشهيد الغامدي، كما طالت شهداء الدالوه والقديح، بل إن في استهدافهم لأقاربهم كما كشفت الأجهزة الأمنية رسالة واضحة أننا نواجه إرهابًا بلا قلب ولا تمييز يحمل أجندة مشبوهة مسلطة على الوطن بكل تفاصيله! يبدو أن نار «عاصفة الحزم» قد أحرقت كثيرًا من أوراق الطامعين في المنطقة، فكشفوا عن وجه أجندتهم القبيح بشكل هيستيري، مستغلين صغار السن غير القادرين على الحوار والتمحيص والمناقشة والفهم الشامل لقراءة سياق الأحداث، وليس من قبيل المبالغة أو التوقع توجيه الاتهام إلى المشروع الصفوي في المنطقة، فيما كل ما يحدث من تأجيج للطائفية ودعم للإرهاب الذي يشعل فتيلها، فأصحاب هذا المشروع يدركون أن المملكة العربية السعودية هي الصخرة الصلبة التي تعترض مسار مشروعهم، ف»عاصفة الحزم» هي اليمين التي خطت شهادة وفاة المشروع الصفوي في المنطقة بعد أن عاش معربدًا ردحًا من الزمن!، نتساءل ونحن نكتشف يومًا بعد يوم قرائن وأدلة تورط المشروع الصفوي في الكيد لبلادنا، هل ثمة مجال للشك والغفلة حين نكتشف أن المادة شديدة الانفجار RDX التي اكتشفتها المملكة بكل احترافية ويقظة محاولة تهريبها إلى أراضيها عبر جسر الملك فهد هي ذاتها المادة التي استخدمها الإرهابيون في تفجير مسجد القديح، ويزداد التساؤل عمقًا حين نستذكر دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين الشقيق وإجهاض محاولة الانقلاب الصفوية فلو لم يحدث ذلك كم كان سيأتي بلادنا من هذه المادة الخطيرة!! الوعي الأمني المؤسساتي والمجتمعي في بلادنا جنبنا الكثير من الشرور، وهو وعي يستمد قوته من إدراك كامل أن الوطن حضن الجميع سنة وشيعة، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، وأن من يسعى لتعكير صفو السلم الأهلي عدو للجميع أيًا كان مذهبه، وقد كانت برقية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى سمو ولي العهد واضحة بمحاسبة كل من شارك أو خطط أو دعم أو تعاطف مع الإرهابيين! فاللهم احفظ وطننا وأهله من كل شر وأفضح كيد الأعداء في كل مكان!