من الصعب على الإنسان أن يعبر عن مدى الحزن الكبير والألم الشديد، وهو يشاهد أمام ناظريه جثث الشهداء وضحايا تفجير الجمعة الدامي، بمسجد الإمام علي ببلدة القديح، وقت صلاة الجمعة، الأشلاء موزعة في مختلف أرجاء المسجد والجدران كلها مضرجة بالدماء والزجاج المتطاير لم يبق جسدا إلا اخترقه. خارج المسجد عشرات الآلاف من الناس متجهمين جاءوا من مختلف أرجاء المحافظة وعليهم سحابات الحزن والكآبة والألم والذهول، ومئات الأسئلة في أذهانهم تبحث عن إجابات واضحة لما يجري، لكنهم يجمعون في هتافاتهم الموحدة على إدانة الإرهاب والتطرف وكل من يقف خلفه. سبعة أشهر مضت بين فجيعتي الدالوة بالأحساء والقديح بالقطيف، تتشابهان في أن الجريمتين وقعتا في أماكن دينية تعبدية، وفي مناسبات دينية مقدسة، واستهدفت مواطنين أبرياء شيعة يؤدون شعائرهم، وأن منفذي الجريمتين شباب إرهابيون من أبناء الوطن يرتبطون بجماعات متطرفة. المتطرفون هؤلاء لم تقتصر أعمالهم الإرهابية على مخالفيهم من أتباع المذهب الشيعي فقط، بل شملت مؤسسات الدولة ومصالحها وجنودها وعديدا من الأجانب الغربيين المقيمين في المملكة، والتهديد بالقتل والتصفية بلغ كل من يخالفهم فكرا أو عملا. كثيرون هم من يحاولون التهرب من مواجهة الحقائق المرة التي أدت إلى حدوث مثل هذه الأعمال الإرهابية الموجهة ضد المواطنين الشيعة من أبناء المملكة، وتحت حجج ومبررات واهية وغير أخلاقية أو إنسانية، وتصورات واهمة. وسنقرأ ونسمع مزيدا من هذا الغثاء الأجوف الذي يلقي باللائمة على الضحايا الأبرياء، أو يربط هذه العمليات الإرهابية بأسباب خارجية أيا كانت. لسنا في وارد توزيع الاتهامات في وقت لم توار فيه جثث الشهداء إلى الآن، ولكن واجبنا الوطني يحتم علينا المشاركة في نقل مشاعر أهالي الضحايا في كلتا الفاجعتين الأليمتين. والعمل على اكتشاف الخلل كي نتعافى من هذا المرض الفتاك، الذي ينتشر بيننا كالسرطان، مهما كانت هذه الحقائق مرة أو صعبة. فالخطاب التكفيري ينظر للمسلمين الشيعة على أنهم مشركون ويصنفهم مبتدعة ينبغي محاربتهم، وينسحب ذلك بطبيعة الحال على المواطنين الشيعة في المملكة الذين ينعتون في مختلف الوسائل الإعلامية والدعوية بالرافضة، وأحفاد عبد الله بن سبأ وابن العلقمي وأبناء المتعة وعبدة القبور وعملاء إيران والمجوس والصفويين وما إلى ذلك من أوصاف سخيفة لا تستقيم مع سماحة الدين أو حقوق المواطنة. هذا الخطاب الأرعن والمنفلت الذي ينتشر بيننا، الذي يروج له من جهات محددة ومعروفة عبر القنوات الفضائية ومختلف وسائل الإعلام، ولما يحمله من حض مباشر على العنف والكراهية، هو ما يدفع عديدا من هؤلاء الشباب للالتحاق بالجماعات الجهادية المتطرفة التي تنشر قتل وتصفية المخالفين. لايزال هذا الخطاب الطائفي بمؤسساته وهيئاته وشخوصه هو المهيمن على الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية، ويدفع بمزيد من التوتر والتشنج والاستقطاب المذهبي، وكلما حدثت جريمة كهاتين الجريمتين سعى رموزه لتبرئة ساحتهم وإدانة هذه الأعمال، مع أنهم هم ذاتهم من يحرضون عليها. من أجل المعالجة الجادة ينبغي أن يكون هناك إقرار رسمي وواضح بموقعية الشيعة في خارطة هذا الوطن، من ناحية كونهم مسلمين لا يجوز تكفيرهم بأي صورة، وأنهم مواطنون متساوون مع البقية لهم ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وأن أي تشكيك أو اتهام في ولائهم للوطن أو تخوينهم يعد إضرارا بالوحدة الوطنية. كما ينبغي الوقوف بحزم أمام الجهات التحريضية التي تواصل تغذية حالة التطرف ومحاسبة أي صاحب دعوى طائفية، من أجل السعي لتخليص وطننا من الآثار التي تترتب على تصاعد موجة هذا الخطاب التكفيري، الذي يهدد أمن وسلامة الوطن ووحدته.