ليس في بلادنا أدنى مشكلة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ، المشكلة موجودة ومتشعبة في تفاصيل أخرى بعيدة كثيراً عن هذا المبدأ الإسلاميّ الكبير، وعلى مدى السنوات الماضية جهدت القيادة في تنظيم العمل في الهيئات المنتشرة في البلاد، وقُنّنت إجراءاتها لتتواءم مع مشروعات التنظيم الإداري المتصل بالقضايا الأمنية والأخلاقية، كلُّ ذلك تمّ من أجل أن يكون نشاط الهيئة عملاً مؤسسياً مترتباً على المسؤولية المقنَّنة، وليس على الاجتهادات الخاصة. وضعت التنظيمات حدوداً لصلاحيات العاملين في الهيئة، واستبعدت الارتجالات الشخصية، سواء صدرت عن فرد أم عن جماعة، كانت الهيئة تعاني كمؤسسة مشكلة المحتسبين الذين ليس لهم أدنى علاقة عمل معها، هؤلاء كانوا يتدخلون في حياة الناس، ويجتهدون اجتهادات مؤذية وصلت إلى حدَّ إحراج الهيئة ذاتها، وهناك كثير من الملتزمين لديهم رغبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه في ذاتها رغبة نبيلة، لكنها يجب أن تتم في إطار تنظيم مسؤول، ولو سُمح لكل صاحب رغبة مماثلة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالطريقة التي حدثت في مهرجان الجنادرية، قبل يومين، لتحوّلت البلاد إلى فوضى، وتضارب الناس، وتفاقمت الفتن. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملٌ مسؤول، وبالتالي لا يجوز أن يؤديه إلا من أُنيط به، ولا مكان للفوضى والتطوّع غير المبررين. وما حدث من قبل الدولة في الجنادرية يمثل تجسيداً لمسؤوليتها إزاء المتدخلين في شؤون الأجهزة الحكومية، فالهيئة موجودة في الجنادرية وفي كل مكان من بلادنا، والمطلوب من الجميع أن يؤازرها حتى تؤدي دورها في إطار النظام الذي يستحق الاحترام، حين يتدخل أيٌّ منا في عمل جهة ما؛ فإن ذلك سوف يحوّل كلاً منا إلى مهاجم أو مدافع، وتتداخل الحقوق والواجبات على النحو الذي لا يسيء إلى صورتنا فحسب؛ بل وإلى مشروع ترسيخ دولة النظام والتنظيم. إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشهد حالة من إعادة التنظيم، وضبط الإجراءات، وتطوير القدرات الميدانية، من أجل أن تثبت جدارتها كمؤسسة، وتكتسب الصورة اللائقة بها كجهاز حكومي معنيِّ باحترام الأخلاق والآداب الإسلامية، ولقد آن الأوان لتخليصها من المتطفلين والفضوليين الذين لا يمثلونها، ولا يحترمون حكمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.