فتح الصراع السوري الأبواب مشرّعة على حرب من نوع جديد في المنطقة العربية، وعدم وضوح المواقف الغربية تجاه المسألة السورية أفرز واقعاً جديداً في تطورات المنطقة. الموقف الأمريكي الملتبس تجاه إيران، والأسد، والثورة أيضاً دفع بالبلاد، والمنطقة نحو المجهول ربما لسنوات طويلة، وهذا ما ينطبق على كلٍّ من لبنان، واليمن، والعراق، وربما دول أخرى تنتظر دورها في هذا الاتجاه. ظهور التنظيمات الإسلامية المتشددة وبشكل خاص «داعش»، و«القاعدة» في سوريا أُريد له أن يبدِّل المعادلة السياسية السورية بين طرفي الصراع، قوى الثورة من جهة، ونظام الأسد من جهة أخرى، وما بدا أنه تردد أمريكي، وعجز دولي، كان في انتظار إدخال هذين التنظيمين إلى الصراع. جهات دولية، وإقليمية، خاصة النظامين العراقي، والإيراني أمَّنت الدعم اللوجستي، والأسلحة ل «داعش» حتى بات يمتلك أكثر من 50% من أسلحة الجيش العراقي، الذي هرب أمام بضعة آلاف من المقاتلين المتشددين. في الوقت نفسه فإن استقدام بشار الأسد المليشيات الطائفية من العراق، ولبنان، وأفغانستان، وإيران، وتشكيله مليشيات طائفية سورية لم يكن فقط بسبب النقص في العنصر البشري، والعجز في قدرات جيشه بقدر ما كان الهدف منه تحويل الثورة ضده إلى صراع طائفي لا ينتهي، ليتحول الصراع في سوريا من صراع على السلطة بين قوى الثورة والنظام إلى صراع طائفي مفتوح بين السُّنة والشيعة، تُستخدم فيه الآلة العسكرية للدولة بما فيها الطائرات الحربية إلى جانب المليشيات الطائفية التي استقدمها النظام لمواجهة الأكثرية السُّنية في سوريا بعد شيطنة الثورة عبر إلصاق تهمة الإرهاب فيها مع سيطرة «داعش» على مساحات واسعة، وتماديه في الإجرام. الأمر ينسحب على العراق أيضاً، فرئيس الوزراء السابق نوري المالكي نجح، بحكم سيطرته على مفاصل الدولة في العراق، وتعاون عديد من القادة المحليين معه، في تحويل الاعتصامات الجماهيرية ضد حكمه – التي حملت شعارات «مطلبية» عبّرت عن مطالب حقيقية بإنهاء التمييز ضد السُّنة بعد سقوط نظام صدام حسين – عن مسارها، فالمالكي أطلق قادة الإرهاب من سجونه، وهاجم المعتصمين، وحوَّل ساحات الاعتصام السلمية إلى بؤر للمقاومة ضده، فتحولت القضايا المطلبية إلى صراع طائفي، بعدما سلَّم جيش المالكي أسلحته إلى «داعش» لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين المليشيات الطائفية والجيش من جهة والسكان السُّنة والشباب الذين رماهم المالكي إلى أحضان «داعش»، وألصق بهم تهم الإرهاب من جهة أخرى. اليمن الذي تخلّى فيه الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية، وترك البلاد فريسة للخلافات السياسية، والقبلية، والطائفية، لم يتمكن الرئيس هادي من إصلاح ما أفسده الدهر مع وجود انقسامات عميقة داخل اليمن في الجنوب، والشمال، وكذلك وجود تنظيم القاعدة الذي أُريد له أن يستمر ليلعب دوره في الزمان، والمكان المناسبين للصراع الطائفي المفتوح في المنطقة. وانطلق الحوثيون للسيطرة على صنعاء، وكامل البلاد، وبدأ صراع مفتوح مع انحياز كامل للدولة إلى جانب المليشيات الطائفية، حيث استخدمت ولاتزال الآلة العسكرية للجيش اليمني لمواجهة القبائل اليمنية، التي وجدت نفسها في حضن القاعدة موضوعياً.