كيف أنقذ «داعش» نظام الأسد، وحوَّل الأنظار عن جرائمه ضد الثورة بما فيها استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وغيبت قضية مئات الآلاف من المعتقلين، وغابت الثورة التي خرجت تطالب بإسقاط النظام، بينما يعاني الملايين من النازحين واللاجئين في دول الجوار، وحتى مشروع الحل السياسي للأزمة السورية بحسب جنيف لم يعد له ذكر رغم أنه أسوا الخيارات بالنسبة للثوار؟. النظام يحاول الآن استعادة شرعيته عبر بوابة محاربة الإرهاب تمهيداً لإعادته إلى الحظيرة الدولية، التي تتواطأ مع إيران وحزب الله والأسد، لأجل مصالح إسرائيل. هذه النقاط وغيرها كانت محور حديث «الشرق» مع عضو المجلس الوطني الكاتب والمعارض السوري غسان المفلح. المفلح قال ل «الشرق»: يصادف هذا اليوم مرور عام على استخدام الأسد غاز السارين، وفي مثل هذا اليوم كانت قوات الأسد تقتل المدنيين في الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي، حيث سقط أكثر من 1500 شهيد سقط خلال ساعات، وكانت ردة فعل المجتمع الدولي على القاتل، وبشكل خاص الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تنازل عن خطه الأحمر أنه صادر السلاح ودمره، كما أعلن أوباما أمس بينما ترك القاتل يواصل حربه المجنونة ضد السوريين بأسلحة أخرى. وأوضح المفلح أن إدخال تنظيم ما كان يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» إلى سوريا، وإقحامه في الصراع كان يهدف إلى إفراغ الثورة السورية من محتواها، وترسيخ ما ردده نظام الأسد منذ انطلاق الثورة بأنها تحركات لأصوليين متشددين مرتبطين بأجندات خارجية. وأضاف المفلح أن خلايا القاعدة دخلت من العراق إلى سوريا أمام أعين الأمريكان والغرب وسهلت دول إقليمية تدعي مناصرة الثورة، دخول المتشددين من أنحاء العالم، وبات من الواضح أن إدارة أوباما كانت تريد أن يتدفق القاعديون وحملة الراية السوداء إلى سوريا، هذه الراية التي لم يعرفها السوريون قبلاً، والحرب التي تشنها اليوم أمريكا ضد التنظيم في العراق ستدفعه نحو سوريا أكثر ويصبح ثقله الأكبر فيها، لأنه ليس لدى الجيش الحر إمكانية عسكرية لمواجهته، خاصة بعد أن حصل «داعش» على أسلحة أمريكية متطورة من جيش المالكي. وأشار المفلح إلى أن «داعش» ومنذ سيطرته على مدينة الرقة شمال شرق سوريا قبل نحو سنتين يحاول الاستحواذ على المشهد في سوريا، وإبعاد الثورة عن وسائل الإعلام واهتمامات الدوائر السياسية الغربية، خاصة بعد أن بلغ الذروة مع استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في أغسطس 2013 وساعدها في ذلك الإعلام الغربي، الذي يركز على ممارسات تنظيم «داعش» الإجرامية وتضخيمها معتمداً على مراكز إعلامية تستقي معلوماتها من نظام الأسد نفسه. وحضور «داعش» الكثيف في المشهد الإعلامي الغربي وبعض العربي أعطى هذا التنظيم أكبر من حجمه بكثير، إضافة إلى فظاعة الجرائم، كقطع الرؤوس وهدم الأماكن الدينية ودور العبادة، التي تصدم المجتمعات العربية والغربية. ويشرح المفلح أن التركيز على «داعش» كتنظيم يعبر عن الإسلام السني كان محاولة لتبديل الثورة، التي انطلقت من المدن السورية وريفها ومعظمها سنية، لأن السنة في سوريا يشكلون نحو 75% من السكان في الوقت، الذي يحكم الأسد باسم الطائفة العلوية التي لا تمثل أكثر من 12% من السكان. وأوضح المفلح أن دور «داعش» مدروس، وهو أن ينقذ الأسد من الحبل الذي بدأ يلتف حول رقبته، فهو نظام قمعي مارس القمع المفرط ضد متظاهرين سلميين، قَتلَ واعتّقل وهجّر الملايين، ودمّر المدن والبلدات والقرى وصولاً إلى الكيماوي وغاز السارين والكلور، والأسد يجب أن يحال إلى المحاكم الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، لكن المنقذ «داعش» برر للنظام كل جرائمه التي ارتكبها لأن العالم سيمحو له ما قبل «داعش» وسيغفر له الجرائم ضد الأغلبية السنية لأن «داعش» تنظيم إرهابي دولي. وقال المفلح إن جرائم «داعش» تستحوذ على جزء كبير من المشهد السوري الآن، وهذا ما أرادته إيران والأسد وغطته ولاتزال الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما. فقد تراجعت جرائم الأسد من الصورة، وتراجعت جريمة الكيماوي وكل ملفات الضحايا السوريين من جرائم الأسد المفقودين والمعتقلين والنازحين واللاجئين. والأسد لم يحلم بمثل هذه التغطية قبل وجود «داعش». وأوضح المفلح أن أوباما رفض تسليح الجيش الحر تحت ذرائع وحجج عدة أو تحت عنوان سياسة أوباما المترددة، لكن بات من الواضح أن أوباما لا يريد أن يكون الجيش الحر قوياً ويقاتل نظام الأسد رغم أنه منبع الإرهاب بالإضافة لشريكته إيران، وكي لا يتمكن الثوار من القضاء على «داعش» لأن وجود كلاهما ضروري لحسابات أمريكا في المنطقة، وحتى أوباما عندما تحدث عن مواجهة «داعش» في العراق فهو لم يقل القضاء عليها، بل استخدم كلمات مثل ردعها أو تحجيمها أو ما شابه ذلك. وأشار المفلح إلى كلمة الرئيس أوباما يوم الإثنين حين قال إن أمريكا ستواصل العمل على إستراتيجية طويلة المدى في مقاتلة «داعش»، وهذا ما يشير إلى أنه قد تكون هناك سنوات طويلة من الصراع الدامي في المنطقة، واحتمال تمدد هذا الصراع إلى مناطق أخرى. واعتبر المفلح أن كلام أوباما يدل على أن أمريكا لا تنوي إنهاء هذا الصراع أو حتى تحجيمه. ويتابع المفلح أن إسرائيل ليست غائبة عن المشهد السوري بل حاضرة بقوة، فهي كانت تعد العدة، لأحد خيارين أعلنهما الأسد، إما الأسد أو حرق البلد. وبدأت بممارسة ضغوطاتها ونفوذها على كل الدول الغربية من أجل الابتعاد عن دعم ثورة سوريا، وبات من الواضح أن كل ما كان يعد له من مؤتمرات وصولاً إلى جنيف ليس سوى مضيعة للوقت ريثما تنضج «داعش». وفي إسرائيل كثير من النخب السياسية والإعلامية أعلنت أن الأسد هو ملك إسرائيل في سوريا. وربط المفلح بين تهديدات الأسد بإشعال المنطقة وظهور «داعش»، وقال: قبل «داعش» كان الأسد يعيد ويكرر تهديداته للمنطقة بأنه سيشعلها كلها، إذا شعر بأنه سيسقط. لكن هذه التهديدات التي راح حسن نصر الله ونوري المالكي يرددانها خلفه، اتضح فيما بعد أن «داعش» كان الأداة التي ستنفذ هذه التهديدات، وهذا ما أطلقه حسن نصر الله بأنه بشّر بأن «داعش» سيصل إلى الأردن ودول الخليج أيضاً، ومسرحية عرسال اللبنانية لم تكن سوى بداية لدخول حزب الله بشكل شرعي كطرف في مواجهة الإرهاب الداعشي مستبعداً نفسه من قائمة التنظيمات الإرهابية. وأضاف المفلح أن المالكي في العراق أطلق سجناء القاعدة كما فعل الأسد، الذي تقيم أجهزته الاستخباراتية علاقات مع كل الإرهابيين في المنطقة، وهي التي تنظمهم، وهي التي تفرقهم إن أرادت من تنظيم فتح الإسلام وجند الإسلام.. إلى آخر ما ابتدع العقل المخابراتي الأسدي من أسماء وتنظيمات كلها تحت سيطرته، معظم قادة «داعش» و «النصرة» اليوم كانوا في سجون الأسد والمالكي والسجون الأمريكية، هؤلاء تم المحافظة على حياتهم لإطلاقهم ساعة مجيء دورهم لأنهم مروضون على لعب هذا الدور وليس كقادة القاعدة الآخرين، الذين تمت تصفيتهم داخل وخارج السجون. اليوم تحارب «داعش» بالأسلحة الأمريكية، التي تخلت عنها قوات المالكي في العراق، وأيضاً الأسلحة التي تخلت عنها قوات الأسد، بينما إدارة أوباما ترفض حتى اللحظة استصدار قرار من مجلس الأمن يدين حزب الله والميلشيات العراقيةوالإيرانية التي تقتل السوريين كما تفعل «داعش». ويبدو أن أوباما لم يجد حتى اللحظة، ما قام به الأسد و «داعش» وإيران وملحقاتها من قتل بالشعب السوري، كافياً كي يتخذ موقفاً سياسياً واضحاً في سوريا.