في هذا الجزء الأخير يشتبك الاجتماعي مع الأخلاقي نظراً لأن المجتمع يمزج بينهما حين يقارب الأمر. أولى الإشكاليات هي الحكم من مكان بعيد على المجال الصحي، يتقدم الموكب نخبة من المثقفين الذين تجاوزهم المجتمع بمراحل، فما زالت طروحاتهم تقول بممانعة المجتمع لتوظيف البنات بينما تعج كل جامعاتنا الحكومية والخاصة بطالبات التخصصات الطبية المختلفة. وفي اتجاه ثان فإن المجتمع الطبي لم يخضع لدراسات اجتماعية علمية من قبل طلاب الدراسات العليا أو الناشطين في هذا الميدان، تحت مظلة (علم الاجتماع الطبي) ومنه سوسيولجيا المستشفيات بذراعيها البشريين مقدمي الخدمة والمستفيدين منها. السؤال هنا هل البيئة الطبية مستقلة اجتماعياً عن المجتمع وبالتالي لها شروطها وظروفها الخاصة التي يمكن محاكمتها على ضوئها؟ أم أنها مجرد انعكاس للمجتمع الخارجي بثقافته ومعطياته الاجتماعية؟ تصعب الإجابة الشافية في مقالة، لكن يمكن تلمس مسارين مختلفين، ففي مسار المستفيد من الخدمة رجلاً كان أو امرأة، فإن قسوة المجتمع والعنف والكبت الأسري تتجلّى كحالات مرضية خاصة في حق النساء، وهذا إفراز مجتمعي خارجي يتركز في المستشفى الذي يعمل هنا ككاشف اجتماعي.. أما في حق مقدم الخدمة فإن الأمر معقد قليلاً، فمثلاً يقل إنتاج الطواقم الفنية النسائية انحيازاً للأسرة واستحقاقها، لذا لا تكاد تجد خبيرات في المهنة بتخصصاتها المختلفة -عملياً- بسبب التسرب إلى العمل الإداري أو التراكم في المراكز الصحية طلباً للعمل الصباحي وفي هذا إضرار بالمرضى على المدى الطويل مع سعودة المجال، فكيف السبيل إلى حل عادل؟ ولئن كانت هذه صورة سلبية فإنها لا تنسينا موظفات يعلن أسراً بكاملها يجاهدن في مجال مرهق ومتطلب ليعكسن صورة إيجابية مستترة. وفي حق مقدم الخدمة أيضاً فإن الناقد المراقب مهموم بالعلاقات بين الجنسين وهي مسار اجتماعي/ أخلاقي يحتاج تفكيكاً. ولهذا علاقة بالسؤال عن ظرف بيئة العمل الطبي واستقلاليتها في صناعة حالة خاصة بها مضادة لتقاليد المجتمع أو متوافقة معه. يمكن القول بنشوء علاقات بين الجنسين (تحديد حجمها يتطلب دراسة علمية) تتخذ دوافع ومآلات مختلفة من العبث أو التجريب أو التحفظ أو الزواج أو الانكسار العاطفي أو حتى العلاقة المحرمة. هذه الصورة أهم -في ظني- من التحرّش كحالة عنفية خاصة، لأنها ترتكز على بعد ثقافي اجتماعي قد يشرعن تلك العلاقات ومآلاتها السالبة خاصة مع ضخ جيل جديد من الجنسين مرتبك الخبرة مشحون بمفاهيم إعلامية وتربوية تحتاج إلى ترشيد في التعامل مع الجنس الآخر. مرة أخيرة وقبل الختام يمكن النجاة من أن تكون الراية في (معركة التقاليد) إلى راية تحت مشروع حضاري ثلاثي الأبعاد (إتقان وحقوق وأخلاقيات)، إذ إن نقدنا لخلل أخلاقي اجتماعي ثقافي عند فئة ما في المجال الطبي لا بد أن يكون بذات القوة لنقدنا للخلل في تأهيله المهني وعمله الفني، فإن الإساءة للمريض في العناية بحقه الثقافي تتآزر مع حقه في العناية بجسده وسلامته الحسية. إنها منظومة غير منشطرة عند عرضها على مبادئ وقيم الإسلام.