على الرغم من أنه كان حديثاً في العلن إلا أنه استحق استراق السمع، فقد قام «السيكيورتي السلف» بتسليم بوابة المستشفى إلى «السيكيورتي الخلف»، وأخذ الحارس الراحل إلى جهة أخرى يوصي الحارس المعين حديثاً فقال له «عد هذه البوابة ملكا لك، تجمل بها على من تشاء، وإذا رأيت مسنا فلا بأس أن تساعده»!! حدث هذا السيناريو قبل أيام، وقد تعجبت كيف استطاع ذلك الشاب ذو التأهيل العلمي المتوسط أن يختصر في عبارته منطلقه الخاص والمنسجم مع التفكير السائد في ثقافتنا الإدارية التي يمارسها كثير من المسؤولين وفي مستويات مختلفة. لقد حصل المستشفى -محل الحوار- على شهادة الجودة ومع ذلك فإن رأياً آخر وتفكيراً مستقلاً يسير في اتجاه بعيدا عن الوصف الوظيفي وما في حكمه من خبال إداري لن يعدو قدره عند احتكامه للحالة الغالبة والمؤثرة على وعي المجتمع. تختصر العبارة أعلاه فهم كثير منا للعمل وللمسؤولية في المجال العام فهي في حسهم مواقع للتملك الخاص، يمارس فيها من يشاء استغلال النفوذ، وإن ثمة بقعة ضوء فهي التفضل والمنة على المحتاج للخدمة. قد ننتقد مظاهر الفساد الكبيرة، ونؤمن بحاجتنا لقوانين تكافح الفساد، لكن هذا الاتجاه يصبح أعرج ما لم يصاحبه استهداف لمنمنمات المجتمع، تلك الأبعاد الصغيرة التي تغذي -مستترة- الفساد العريض. يحق التساؤل عن العلاقة بين الأنظمة الفاعلة والأخلاق العامة ومنها الأخلاق الإدارية، وعلى ماذا نعول؟ أو بعبارة أخرى هل نحتاج إلى قانون -غير قابل للاختراق- يُنْشِئُ منظومة أخلاقية عامة أو نحتاج إلى صناعة أخلاق تجود علينا بثقافة القانون؟ يبدو الأمر في أحد تجلياته معقداً عند محاولة فهم الحالة الفردية للشخص وطريقة تفكيره ومؤثرات تكوينه، تلك التي تجعله يعيش حبيس كيانه الخاص لا ينطلق منه إلى سماء أرحب، مما يجعله قابلاً للتشتيت والانهيار عند أول لقاء. عندما جاء الهدهد إلى نبي الله سليمان عليه السلام مارس سياسة التشتيت -قاصدا أو غير قاصد- حين أفاض في إنكار شرك ملكة سبأ وقومها، لكن وعي نبي الله كان لذلك بالمرصاد، فعلى الرغم من أولوية التوحيد لدى الأنبياء إلا أن سلامة المنهج «القانون» كان أولى: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. ولنا أن نقارن هذه الصورة مع مسؤول ينهار أمام مديح أو قبيلة أو بريق من نوع ما، وينسى وظيفته الأساسية وينساق يجتر ثقافة سلبية تكرس الإخفاق، كل ذلك مقابل إرضاء لتكوين ناقص أو فكر خاطئ. إن الوطن في حاجة إلى إعادة تقييم نفسي واجتماعي وثقافي وفكري لمن يتولون المناصب العامة، وإلى مراجعة الآليات التي أفرزت «الإنسان الورقي» ممثلًا في صاحب شهادة وهمية، أو منتج بشري معيب بشهادة صحيحة! والسؤال هنا كيف يمكن مقاربة ذلك وسط سيل جارف من المفاهيم المضادة والثقافة المسيطرة؟