منذ توحيد المملكة عام 1351 ه وحتى بدء خططها التنمويَّة بالخطَّة الخمسيَّة الأولى عام 1390 ه وحتى الآن وهي على بوابة الخطَّة التنمويَّة العاشرة لم تعالِجْ خططُ التنمية تلك مشكلةً واحدة علاجاً نهائيّاً، فالتعليم العام والجامعيُّ والمهنيُّ والصحَّة، والطرق بين المناطق والمواصلات داخل المدن والحركة المروريَّة والمطارات والموانئ، والسكن والتخطيط العمرانيُّ الحضريُّ والريفيُّ، والكهرباء والصرف الصحي وتصريف السيول، والزراعة والمياه والصناعة والشؤون الاجتماعيَّة والفقر والأعمال الخيريَّة والتطوعيِّة، هذا وبالرغم من آلاف المليارات من الريالات المصروفة على التنمية في بنيتها التحتيَّة فضلاً عن خطواتها التنمويَّة القائمة عليها واللاحقة لها، بل إنَّ تجديدها بصيانتها وترميمها تتتابع من خطَّة لأخرى فتعوق استكمال التنمية؛ إذْ أضحت تقريباً هي مجال الخطط التنمويَّة اللاحقة، ولذلك يتساءل المواطنون لماذا تعثَّرت وتتعثَّر تنميةُ بلادهم؟!!. وممَّا يطرح إجابةً على هذا السؤال أعلاه سيتَّصل ابتداءً في مجال الرؤية والرسالة والأهداف للخطط التنمويَّة الخمسيَّة متمثِّلاً بافتقادها الرؤية المستقبليَّة والشاملة، وبعدم وضوح الرسالة التنمويَّة فيها، وبانطلاقاتها لأهداف مؤقَّتة وغير متوازية أو محدَّدة غاياتها في أطرها العامَّة، ولذلك تأخَّرت مشروعاتُ القطارات بين المناطق، ومشروعات المترو «قطارات الأنفاق» في المدن الكبيرة، وتأخَّرت مشروعاتُ المدن الصحيَّة والمدن الاقتصاديَّة، وتأخَّرت في التخطيط الحضريِّ مدنُ الضواحي لامتصاص التكدُّس السكَّاني في المدن المليونيَّة، وتأخَّرت عمليَّةُ تجييل ظهور المدن الصغيرة في الأقاليم الريفيَّة لتنميتها، لتحدَّ من تفريغها سكَّانيّاً، وتأخَّرت مشروعات الإسكان والصرف الصحيِّ وتصريف السيول وتخطيط مرافق الخدمات، وتأخَّرت مشروعاتُ تطوير التعليم العام والعالي وتطوير القضاء وما يتَّصل به من محاماة ومرافعات، وتأخَّرت تشريعات المحافظة على المياه الجوفيَّة وعلى البيئة، وتشريعات حماية المرأة والطفل، وتشريعات النزاهة فمكافحة الفساد الإداري والمالي، وتشريعات معالجة البطالة وتصحيح سوق العمل، وتشريعات حماية المستهلك من الغش بالسلع المقلَّدة ومن الجشع، وتأخَّرت تشريعات تطوير الأراضي البيضاء في النطاقات العمرانيَّة لحفز ملاكها لتطويرها أو لبيعها خروجاً من دفع الزكاة عنها، وتأخَّر كادر المهندسين السعوديِّين في القطاع الحكوميِّ فتسرَّبوا إلى القطاع الخاص، فلو نظرت الرؤيةُ المستقبليَّة للخطط الخمسيَّة إلى تلك المشكلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتشريعيَّة قبل ظهورها فتفاقمها لما وصلت إلى واقعها كمشكلات شبه مستعصية ومؤثِّرة سلبيّاً بتعثُّر التنمية في جوانبها المختلفة. والدارس للخطط التنمويَّة الخمسيَّة سيتبيَّن أنَّ الخمس الأولى منها قد خلت تقريباً من معظم المشروعات التنمويَّة التي مثَّلتُ بتأخُّرها أعلاه ظهوراً في التخطيط التنمويِّ، وحينما أدرجت تلك المشروعاتُ والتَّشريعاتُ في الخطط التنمويَّة الخمسيَّة الأخيرة تأخَّر طرحها بالرَّغم من رصد ميزانيَّاتها، وحين بدأ تنفيذها تعثَّرت أو تعطَّلت أو نفِّذت من مقاولي الباطن بغير مواصفاتها، ومن ثمَّ ستُدوَّر في خطط تنمويَّة قادمة صيانةً وترميماً، وهكذا ستَحُولُ دون مواصلة التنمية لجوانب أخرى، فهل أسند التخطيط لغير مختصِّين يمتلكون الرؤية المستقبليَّة فيشخِّصون الواقع أولاً ويحدِّدون مواطن قوَّته وضعفه وينطلقون منها بمشروعات تنمويَّة تعالج المشكلات وتحقِّق الطموحات، أم إنَّ الفساد الإداريَّ والماليَّ كان عقبة أمامهم أم كلاهما؟!، وهل تفتيت مشاريعها كجزئيَّات تنفيذيَّة على مقاولي الباطن سبب التعثُّر؟!، فدولٌ آسيويَّة نهضتْ فانتقلت في 25 سنة «خمس خطط تنمويَّة» من الدول النامية لمصاف الدول المتقدِّمة فاختفت مشكلاتها وتلاشت أزماتها. لا يمكن معالجة هذا التأخر وهذا التعثُّر في التنمية واستدراك ما فات؟، ولكن ليس بالأمر العسير الحيلولة دون امتدادهما إلى مستقبل التنمية في ضوء استراتيجيَّة تنمويَّة تضع كلَّ مشكلات الوطن وطموحاته في رؤية مستقبليَّة واسعة شاملة، فدول آسيا الناهضة ليست بأكبر إمكانات من بلادنا، ولا شعوبها بأمكن من شعب المملكة بقدراتهم ومهاراتهم باستيعاب مدخلات التنمية والقيام بعمليَّاتها وصولاً لمخرجاتها المشكِّلة مدخلاتٍ لخطط تنمويَّة لاحقة، وأحسبها انطلقت لتحقيق نهضتها من بوَّابتين رئيسيتين في مسارين واضحين، هما: 1) بوَّابة التعليم لإعداد الفرد الفاعل تنمويّاً ليعالج مشكلاته ومشكلات مجتمعه ووطنه من خلال قدراته ومهاراته العلميَّة والعمليَّة وسلوكه وتوجُّهه الوطنيِّ، فلا يكون عالة على التنمية ومعيقاً لخطواتها بجهله أو بانحرافه السلوكي لمصالحه الخاصَّة على حساب المصلحة الوطنيَّة، وهذا يتطلَّب تطوير التعليم تطويراً يتناول محاوره كلَّها بخاصَّة إداراته التعليميَّة غير القادرة على تنفيذ خططه التطويريَّة في محاوره الأخرى، بل والمعوِّقة لتلك الخطط، وأحسب أنَّ مرور ما يقارب عشر سنوات على مشروع خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لتطوير التعليم دون ظهور نتائج إيجابيَّة في مخرجات التعليم ليؤكِّد أنَّ إدارات التعليم من خلال أدائها هي المعوِّق الرئيس لذلك، وأنَّ ذلك يعود لضعف قدرات معظم مسؤوليها ومهاراتهم في استيعاب التطوير ومتابعة تنفيذه، ولانصراف معظم أولئك لتحقيق مصالحهم الشخصيَّة الوظيفيَّة والماديَّة بالفساد الإداريِّ والماليِّ، وفي إدارات التعليم في حائل والقريَّات والمدينة المنوَّرة وغيرها أمثلة تؤكِّد ذلك. 2) بوَّابة القضاء والتشريعات الحقوقيَّة، فالعدالة والنزاهة مطلبان للفرد ليكون عنصراً تنمويّاً فاعلاً في ذاته ومجتمعه ووطنه، لا عالة على التنمية ومعيقاً لخطواتها منشغلاً بمطالبه بالمساواة مع الآخرين وفق مؤهِّلاته وقدراته، ومدافعاً عن نفسه الظلم وانتهاك حقوقه الوظيفيَّة والاجتماعيَّة بالإقصاء والتهميش وبالعدالة غير الناجزة المستنفدة عمره الوظيفيَّ إن لم يعزُّ عليه الوصول إليها لفسادٍ بإجراءاتها، أو لاستحالة تنفيذ أحكامها القضائيَّة، وأحسب أنَّ مرور عشر سنوات تقريباً على مشروع خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لتطوير القضاء دون بلوغ أهدافه وظهور نتائج إيجابيَّة في ميزان العدالة وإنجازها تتناسب معها ومع هذا الزمن ليؤكِّد أنَّ الفرد سينشغل عن المشاركة الحقيقيَّة بالتنمية بمدافعة ظالميه في حقوقه الوظيفيَّة والاجتماعيَّة بل وفي العمل ابتداءً وفي خيرات الوطن حقّاً وطنيّاً، ويضاف إلى مطالبه بالعدالة والنزاهة، مطالبه في التشريعات الحقوقيَّة لحقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحماية البيئة العامَّة وبيئة العمل، وفي تشريعات العمل وسوقه وحماية الأجور، وتشريعات حماية المستهلك، وتشريعات حماية المصالح والمرافق العامَّة. فالتعليمُ يعدُّ المواطن ليكون فاعلاً في التنمية لا معوِّقاً لها أو سبباً في تعثُّرها، والقضاء والتشريعات المدنيَّة لحماية حقوقه المشروعة فيتفرَّغ للعمل وللإنتاج وللعطاء لا أن يكونَ عالة على التنمية باحثاً عن أساليب ينتهك بها حقوق المواطن الآخر والوطن جرَّاء انتهاك حقوقه.