أنتجت خطط التنمية هجرة داخلية فيما بين المناطق، وتسببت في انتقال السكّان من مدن أقلّ نمواً إلى مدن أكبر وذات حركة اقتصادية أقوى, مما أدى إلى حالة قصور في التنمية مصحوباً بارتفاع مطالب المواطنين بشكل كبير على الخدمات، إضافةً إلى تعثّر وتأخر الكثير من المشروعات المقرّة لعدد من المناطق والمدن في المملكة، وهذه من أبرز التحديات التي تواجه استراتيجيات الخطط التنموية الحالية والمستقبلية، ويعاني المواطن كذلك من آثارها سواء في التأخير أو في الحاجة الماسة لوجودها. وتهدف استراتيجيات التنمية في المملكة إلى رفع مستويات المعيشة وتحسين نوعية الحياة لجميع المواطنين، إلاّ أنّها تواجه العديد من العوائق أمامها، أبرزها التعثر، مما أبطأ تحقيق أهداف الاستراتيجيات، وارتفاع سقف المطالبات من قبل المواطنين بإنشاء الكثير من المشروعات، وتبدو الحاجة واضحة وملحّة لتوفير قاعدة بيانات دقيقة لجميع مدن ومحافظات المملكة، من خلال مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات والمراصد الحضرية التابعة للأمانات والبلديات، كي تتضح الرؤية، ومن أجل وضع خطط واستراتيجيات مبنية على واقع فعلي يلامس الحاجة الحقيقية للمواطن في كافة المدن والمحافظات، في ظل التوجه الحكومي الكامل لدعم التنمية بشكل متوازن في جميع المدن والمحافظات، وتوفير جميع المشروعات الخدمية للمواطن، وكذلك تحسين مستوى الخدمة ورفع جودتها. وعلى الرغم من توجه ملامح الميزانيات المرصودة إلى التركيز على المشروعات التنموية التي تعزز استمرارية النمو والتنمية طويلة الأجل، وبالتالي زيادة الفرص الوظيفية للمواطنين، حيث وزعت الاعتمادات المالية إلى قطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية، إلى جانب المياه والصرف الصحي، والطرق. ضعف آلية وتخصص المملكة ضمن ميزانياتها مبالغ تقدر بالمليارات لمشروعات تنموية كل عام، حيث أن ميزانية عام 1432- 1433ه فقط خصصت (256) مليار ريال، وكذلك ميزانية الأعوام الأخرى، لكن حسب خبراء تُقدر المشروعات المتعثرة خلال الأعوام الأربعة الماضية بحوالى تريليون ريال! مؤكدين أنه يوجد ضعف آلية في التنسيق بين إقرار المشروعات، وحاجة المناطق لعملية التنمية وتعثرها، حتى أصبحت مدن المملكة ورش تجارب للكثير من الشركات التي تعثرت، وجعلت المواطن في دوامة يبحث عن الحلول، حتى المسؤول في بعض الجهات الحكومية وبسبب ضعف القرار لا يستطيع أن يتخذ الإجراء الصحيح إلاّ بعد الرجوع لمرجعه الرئيسي، وهذه تأخذ مزيدا من الوقت، واصفين ارتفاع سقف مطالب المواطنين تجاه الكثير من الخدمات دلالة على وجود وعي لديهم, مشيرين إلى أن هذا يُعد مؤشرا يؤثر على القدرات التي يمتلكها مسؤولي الدوائر الحكومية من حيث التفعيل وعدمه, مؤكدين أن تفعيل "الرقابة الشعبية" عامل مهم لمتابعة حركة التنمية. وطالب البعض منهم بترتيب آلية الرقابة لهذه المشروعات، وتتبع نقاط الضعف والقوة في عمليات التنفيذ، للحدّ من إهدار المال العام، مع دفع التنمية للأمام، وكذلك تلبية متطلبات المواطن، مُشدّدين على أهمية إسناد جميع مشروعات الوزارات إلى هيئة مستقلة متخصصة في متابعتها، بالتنسيق مع الوزارات المعنية. وشدّدوا على ضرورة تحديث نظام العقود في المملكة لمواكبة التطور العالمي، مع المحافظة على آلية سير العمل في هذه المشروعات المهمة، لاسيما أن المملكة إحدى دول منظمة التجارة الدولية. نقص دراسات وقال "د. فهد العنزي" -عضو مجلس الشورى-: إن المشكلة تكمن في آلية التنسيق فيما بين إقرار هذه المشروعات التنموية وبين حاجات المناطق الفعلية ومتطلباتها، حيث أن هنالك ضبابية في هذه الرؤية، مع وجود ضعف في قاعدة البيانات التي تبيّن حاجة المناطق والمدن إلى نوعية هذه المشروعات وتلمسها, مما أدى إلى ارتفاع سقف مطالب المواطن تجاه الخدمات والتي يقابلها أحياناً عدم تفاعل المسؤول، مضيفاً أنه من المفترض أن يكون هناك آليات واضحة في بحث حاجة هذه المشروعات ومتابعتها، وهنا يبرز الضعف الواضح في آلية عمل المجالس البلدية من حيث نقل الصورة الواضحة للمدن، إلى جانب سوء التنسيق بين هذه المجالس والجهات الخدمية، مبيناً أن خطة التنمية التاسعة لها مبادئ وأهداف واضحة لأجل دعم التنمية المتوازنة للمناطق من حيث إقامة المشروعات التنموية فيها، لكن هذه المشروعات -مع الأسف- تواجه العديد من العقبات التي تقف أمامها، وهي عدم وجود أدوات واضحة لإبراز حاجة المناطق الأقل نمواً، وكذلك نقص الدراسات المتخصصة في هذا المجال، إضافةً إلى وجود تكدّس في المشروعات من الأعوام السابقة. غير موثوق فيه ووصف "د. العنزي" قطاع المقاولات بالبطئ الشديد، وأنه يعاني من ضعف في مواكبة الطفرة التنموية التي تمرّ بها المملكة في الوقت الراهن, حيث أن المملكة تعتمد مشروعات خدمية تُلبي مطالب المواطنين، إلاّ أنها لا تُنفذ، مما يزيد من حدة المطالبة, مُشدداً على كل مسؤول أن يعطي أولوية للمشروعات التي تمس حاجة المواطن بالدرجة الأولى، وأن لا يكتفي بالاستماع لتلك المطالب ومن ثم عدم التنفيذ، مشيراً إلى أن المواطن أصبح لديه وعي كامل بأهمية التنمية والمشروعات الخدمية، ولن يطالب بشي إلاّ ويفتقر إليه. وأضاف: يتوجب على مجلس الشورى مراقبة المشروعات من حيث الإنجاز والمعوقات والمقترحات، مع فتح قنوات مع المواطنين. وشدّد "د. علي بوخمسين" -مدير عام مركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية والإدارية- على ضرورة تفعيل دور مجلس الشورى في متابعة المشروعات التنموية المقرّة، إضافةً إلى الإشكالية الأخرى المتمثلة في التأخر، حيث أن هنالك العديد ممن يتم طرحها ثمّ "تُرسّى" على المقاول ويتم تعليقها! مُتسائلاً: ما المبررّ لتعليق مثل هذه المشروعات المهمة؟ مشيراً إلى أن دور هيئة الرقابة والتحقيق مهم جدا لمتابعة هذه المشروعات، حيث أن العملية التنموية في المملكة تعاني من فجوة حقيقية؛ بسبب الافتقار إلى آلية تنفيذ واضحة ومعلنة، ومن خلال جدول زمني محدد، مطالباً وزارة الاقتصاد والتخطيط بإعادة النظر في الخطط الخمسية الموضوعة وآلية عملها، وكذلك التنفيذ، مع تقييم المشروعات، مما يسهّل عملية متابعتها وضمان تنفيذها بالوجه المطلوب. مواطن يقف أمام مشروع تأخر كثيراً بالقرب من منزله «أرشيف الرياض» هيئة مستقلة وانتقد "عمر الجريفاني" -محلل اقتصادي- سوء التنسيق بين الجهات الخدمية القائمة على أعمال الصيانة والتنفيذ، وأنها سبب في إتلاف البُنى التحتية للمدن من خلال أعمال الحفر التي تؤديها داخل الأحياء، لاسيما أعمال الصرف الصحّي والكهرباء والهاتف والمياه، وهذا يؤثر على الحياة العملية والاجتماعية للمواطن نفسه، حيث ليس لديه إلاّ أن يتوجه مباشرة إلى المسؤول في الدوائر الحكومية لحل المشكلة، مُتسائلاً: هل المسؤول يستمع لمعاناة المواطن؟ إذا كان لا، فهناك خلل يجب أن يعاد ترتيبه واختيار المسؤول الصحيح في المكان الصحيح، مبيناً أن المواطن له الحقّ الكامل في المطالبة بتوفير الخدمة شريطة أن تكون ذات جودة جيدة ومقبولة، مشدداً على أهمية إسناد المشروعات إلى جهة معينة لمتابعتها بشكل دقيق، مما يضمن استمرارية العمل فيها دون تعثّر أو تأخير. هناك ضبابية في آلية التنسيق بين إقرار المشروعات وحاجات المناطق الفعلية واقترح إنشاء هيئة مستقلة مهمتها متابعة مشروعات الوزارات المختلفة، وتكون ذات فروع متعددة في مناطق المملكة؛ لمتابعة المشروعات، مؤكداً أن ما نعاني منه الآن هو قطاع المقاولات، الذي يفتقد بحقّ للأهلية المطلوبة في التنفيذ. تحمل ومتابعة وشدّد "د. بدر البصيص" -مستشار قانوني- على أهمية تحمل الجهات الحكومية ممثلة في المسؤولين القائمين متابعة هذه المشروعات ومراحل تنفيذها، وأن أي تقصير يحدث لا بد من محاسبة المُتسبب لضمان استمرارية العمل، لا سيما وأن توّجه سيدي خادم الحرمين الشريفين هو توجّه تنموي قائم على تقديم الخدمات لجميع المواطنين بشكل متواز ومستدام، مضيفاً أن هناك معضلة كامنة في عقود هذه المشروعات، حيث أنها تحتاج إلى التحديث لمواكبة المعايير الدولية، وأن يتمّ صياغة هذه العقود بناء على علاقة متوازنة بين جميع الأطراف؛ لأن العقود القائمة أشبه ما تكون بعقود الإذعان، مؤكداً أن الحل يكمن في تطبيق عقد "فيدك"، الذي يشتمل على ضمانات للطرفين المتفقين وذي معايير مناسبة. وحول تعثّر المشروعات التنموية التي يطالب بها المواطن، أوضح أن المواطن لا يطالب إلاّ بحقه، ومن هذا المنطلق ارتفعت نسبة المطالبات، وتكتظ أحياناً بعض الدوائر الحكومية بالمراجعين للمطالبة بحل مشكلة ما، حيث أصبح يعاني ويتحمل أخطاء بعض المشروعات، ويذهب ضحية لذلك، لكن بعض المسؤولين بسبب عدم وجود رؤية واضحة في اتخاذه القرار، ينتظر القرار النهائي من مرجعه الرئيسي، مما يزيد من حدة المطالب والشكوى وهو ينتظر الرد. لا بد من إنشاء «هيئة مستقلة» ذات فروع متعددة لمتابعة تنفيذ مشروعات الوزارات إيجاد حلول وقال "م. نبيه البراهيم" -عضو المجلس البلدي في الشرقية-: إن نحو (80%) من مطالب الناس للجهات التنفيذية في محله، مطالباً بوجود جهة مختصة لمعرفة مطالب المواطنين ودراستها بشكل مباشر، حيث أن بعض مراجعي الجهات الحكومية يطالبون بمشروعات معينة، أو يطالبون بحل مشكلات يعانون منها، اما بسبب حفرة مقاول أمام منزله أو العكس. وفي شأن سقف مطالب المواطنين الخدمية، أوضح أنه يوجد لدينا شقان مهمان يجب التفريق بينهما، الأول يتعلق بالحاجات الحقيقية التي يحتاجها المواطن، مثل تطوير شبكة الطرق، وفك الاختناقات المرورية، وتطوير الخدمات، إضافةً إلى تطوير البُنى التحتية التي يحتاجها المجتمع كالماء والكهرباء، مضيفاً أنه بالنسبة للشق الثاني فيتعلق بأشياء نطلق عليها التطلعات، والمسؤول يسعى لتلبيتها في الحد المعقول. وذكر "محمد بن عبدالعزيز الصفيان" -مدير العلاقات العامة والإعلام في أمانة المنطقة الشرقية- أن الجهات الحكومية يجب أن تولي التواصل مع أفراد المجتمع جانباً كبيراً من الأهمية، من حيث تخصيص صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر مواقعها الإلكترونية، أو تخصيص إدارات مختصة في تلقي البلاغات والاقتراحات، لكن الأهم من ذلك التفاعل والتواصل والرد على المواطن ودراسة مقترحاته وعدم تجاهلها, مبيناً أن المواطن أصبح لديه وعي كبير في التنمية، ويطالب بما يحقق المصلحة العاملة، مُعتبراً ذلك "غيرة وطنية". د. فهد العنزي د. علي بوخمسين د. بدر البصيص عمر الجريفاني محمد الصفيان نبيه البراهيم