نحن على مقربة من نهاية الخطة الخمسية التنموية التاسعة للسعودية التي تنتهي في 2014، وخلال الأعوام الخمسة لهذه الخطة التنموية تكون السعودية أنفقت أكثر من ثلاثة تريليونات و500 بليون ريال عبر موازنتها السنوية، ومنذ بداية الخطة التنموية التاسعة وحتى الآن اعتمدت مشاريع تنموية يزيد عددها على خمسة آلاف مشروع في مجالات مختلفة، من بينها التعليم والصحة والطرق والبلديات والإسكان ومرافق أخرى. إلا أنه في المقابل كانت هناك مشاريع متعثرة ولم تنفذ يبلغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف مشروع، حسبما ذكرت هيئة مكافحة الفساد، وأكثر من 1000 مشروع، وفق تقرير هيئة الرقابة والتحقيق، فما الذي نرجوه من خطة تنمية إذا كانت تواجه معظم خططها وبرامجها للتعثر وعدم التنفيذ وتواجه مصاعب، وهذه حال خطة خمسية واحدة، وهي الخطة التنموية التاسعة، فكيف لنا أن نقيس بقية خطط التنمية السابقة، ونعتبرها ناجحة وذات فاعلية، فيما يعكف المسؤولون في وزارة الاقتصاد والتخطيط على صياغة الخطة الخمسية العاشرة، فإلى أين تأخذنا هذه الخطط التنموية العمياء؟ إذا كانت حال البلاد هكذا في مختلف مجالات الخدمات الحكومية وكل ما يهم المواطنين، فهل يمكن أن نعرف أن خطط التنمية التي يقترب عمرها من 45 عاماً طُبقت بالفعل كما رسم لها، وكم نسبة ما تحقق؟ مع الأسف الشديد لا توجد جهات محايدة تستطيع أن تحكم مدى دقة وتطبيق خطط التنمية الخمسية، فالوزارات ومؤسسات الدولة ليست مقياساً، أو جهة مخولة لكي تمنح شهادة النجاح لنجاح خطط التنمية، وإن حدث أن مدحت هذه الخطط، فالمواطن أصبح يقيّم أداء مؤسسات الدولة وما يقدم لها من خدمات على أرض الواقع، ومجلس الشورى هو الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تقيم وتحاسب وتراجع مع ما تم تنفيذه أو تأجيله لكونه جهازاً استشارياً ورقابياً، على رغم أنه غير مؤثر. بحسب مفهوم خبراء الاقتصاد، فالخطة الخمسية عادة تعد خطة جزئية من الخطة الاستراتيجية للدولة، والكثير من الدول تحدد مدة معينة لتحقيق أهدافها، فمثلاً: إن كانت الخطة الاستراتيجية للدولة لأجل تحقيق مشروع وطني يتطلب تنفيذه على سبيل المثال 30 عاماً، هذا يعني أن الخطة ستنفذ على ست مراحل، كل مرحلة مدتها خمسة أعوام، وهناك دول خليجية انتهت من خططها الاستراتيجية خلال فترة وجيزة، وهي الآن تطبق خطة أخرى، وأقصد أنها انتهت من بناء بنيتها التحتية وهي الآن تبني خططاً أخرى تسهم في تطوير بلدانها. وإذا ما اعتبرنا أن مشروع الإسكان ومكافحة البطالة من أولويات خطط التنمية منذ انطلاقتها، فهل يعقل أن مشروع الإسكان حتى الآن لا يزال يتعثر ولم يكتمل، لا من حيث توفر الأراضي، ولا حتى من حيث تسهيل القروض وسرعة صرفها، وحتى من حيث مشاريع الإسكان! ولم تصدر بيانات رسمية بخصوص المراحل التي تستغرق تنفيذ المشروع، وبالنسبة لمكافحة البطالة وتوطين العمل، إذا افترضنا أن الاستراتيجية الوطنية خطط لها 30 عاماً، لا يمكن القول إنها نجحت، فخلال كل هذه العقود لم تستطع الجهات الحكومية تطبيق بنود التنمية البشرية بحذافيرها، إذ برزت لنا مقابل هذا «السعودة» الوهمية وتسجيل الأسماء غير صحيحة في السجلات الرسمية، التستر التجاري، الاستقدام المفرط، عمالة مقيمة بطريقة غير نظامية. وهذا جانب من مشروع متكامل لخطة التنمية الخمسية، فما بالك بمشاريع أخرى تهم المواطنين؟ من يصدق بعد كل هذه السنوات لدينا سرير واحد لكل 467 نسمة من السكان؟ وهذا إحصاء صادر من وزارة الصحة، هل هذه هي البُنى التحتية التي كانت تود خطط التنمية أن تصل إليها لخدمة المواطنين بعد كل هذه السنوات. في ما يتعلق بالتعليم من يصدق أن 60 في المئة من مباني المدارس الحكومية مستأجرة سواء للبنين أو للبنات، والكثير من المدارس تحولت إلى مدرسة تضم ثلاث مدارس، وهناك مدارس لا تتوفر فيها شروط السلامة والبيئة المدرسية الصالحة للتعليم، سواء بنيناً أو بنات، بعد 45 عاماً من برامج الخطط الخمسية التنموية هل هذه المدارس التي يستحقها السعوديون، أعتقد بأن البعض سيتفق معي في أن الخطط الخمسية التي كانت توضع للسعودية، لم تنفذ على أرض الواقع، كما أنه لا توجد جهات رقابية لمتابعة الخطة، فلا أحد ينتظر أن تكون النتائج جيدة. خلال 45 عاماً شهدنا نمواً كبيراًَ في بناء المدارس الأهلية أكثر من أن نهتم بتوفير مدارس حكومية، خلال نصف قرن من عمر خطط التنمية كان الإقبال على فتح الجامعات والكليات الأهلية أكثر من اهتمام الدولة بالتوسع في فتح جامعات حكومية لاستيعاب الطلاب والطالبات، بل إن الجامعات الحكومية تحولت إلى «محصل» لمبالغ ورسوم مرتفعة. خطط التنمية أفرزت لنا المخططات العقارية الوهمية مقابل شح أراضي المنح ومخصصات مشاريع الإسكان، المستشفيات والمستوصفات الأهلية ضعف عدد المستشفيات الحكومية، وبلغت 34 جامعة وكلية أهلية، فيما هناك 25 جامعة حكومية. أعتقد بأن المسؤول حينما يتحدث فهو يدرك أنه لا يقول الحقيقة، فيما - مع الأسف - خطط التنمية في السعودية تقتلها المحسوبية وعدم الالتزام بما يقطع من وعود للمواطنين، وعدم وجود جهات ذات رقابة صارمة، وخطط التنمية دائماً في كل الدول هي مؤشر ومقياس لرقي ورفاهية الشعوب، وتسعى الدول إلى تحقيقها، فهل يمكن أن نقول إن المواطن يعيش رفاهية تطبيق خطط التنمية؟ هناك مناطق ومدن لم تصلها أي من برامج خطط التنمية، مدن في الجنوب والشمال ومناطق أخرى، ولا أعرف ما دور ومسؤولية أمراء المناطق في تطبيق وتحقيق خطط التنمية. وحينما تعلن السعودية منذ سنوات عدة أنها ترصد موازنة فهي في الواقع ترغب في أن تذهب هذه الأموال في وجهتها الصحيحة، بصراحة ما زلت حائراً أين تذهب كل هذه الأموال ونحن جميعنا شرفاء. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon