محمد الضبع شاعر شاب، ومثقف جميل، يعتقد أن الحوار مفتاح فعلي للحياة، ينصح أن تكون لكلّ منّا مرآة كي نشاهد فيها ذواتنا بين فترة وأخرى، ويعتبر الكتابة طريقة جيدة للتنفّس، لكنها ليست وقتاً لحفظ العلوم وجمع المعارف. لا يخجل محمد من أن يكون شاعراً مغروراً إذا كان الغرور يعني مزيداً من الكتابة والشغف والجنون! ولديه مدونة بعنوان «معطف فوق سرير العالم» أنشأها كما يقول، لترجمة النصوص والمقالات الأدبيّة التي كُتبت وتكتب إلى الآن، يعتبرها محاولة أسبوعية لاكتشاف مساحة جديدة يشعر فيها بالدهشة ويُشْعر بها القارئ معه! في حوارنا معه أشياء كثيرة عنه وعن تجربته في مجال السرد، فإلى نصّ الحوار: - أنا الابن الأوسط في عائلتي، ولدت في 13 مارس سنة 1991م، في مدينة جدة. وعشت ودرست في مدينة جازان التي أقيم فيها حتى الآن. لا أجيد الحديث عن نفسي لأن هذه تجربة مفخخة، كل منّا يحتاج إلى مرآة لينظر فيها بين فترة وأخرى، المرايا رائعة وبإمكانها أن تتحول إلى بحيرة تلتهمك، وبإمكانها أيضاً أن تتحول إلى بوابة تأخذك إلى سماوات أخرى في ذاتك لم تكن تعرفها من قبل. أحتاج إلى هذه المرآة دائماً، الكتابة هي مرآتي. - هي علاقة من يبحث عن طريقة ليتنفّس. يتنفس بطريقة جديدة في كل مرّة. أنا لا أقرأ كي أجمع أكبر قدر من المعارف، بل أقرأ ما يدهشني ويخطف قلبي. ليس هنالك وقت لجمع العلوم والمعارف انتهى زمن الحفظ، لا وقت إلا للدهشة. هذا الوقت المتبقي الأخير لنا قبل انتهاء العالم، علينا أن نستغلّه في الذهول، في الوصول إلى أعالي الجمال والاستمتاع بكل دقيقة وكل لحظة. - قررت أن أكتب في صغري استجابة لنداءات الإيقاع الذي كانت تسحرني به اللغة. كنت مأسوراً بموسيقى اللغة، برقصها الهادئ والصاخب في الوقت نفسه. أسرعت باتجاهها وحاولت أن أحاكيها، وأن أصبح جزءاً من هذه الحفلة المذهلة. وهكذا بدأت، لأجل أن أكمل فراغات ذاتي بحجارة اللغة السحريّة. - قلت سابقاً إن الغرور عندي هو الرغبة في مزيد من الكتابة، مزيد من الشغف، من الجنون. كلّما شعرت أنك تستحق أكثر، ستبحث عن الأكثر وسيصبح إنتاجك فريداً من نوعه. لدي مشكلة كبيرة مع المتواضعين، الذين يتوقفون عند حدود وأسقف متدنية. لا نريد هذا الضعف ولا هذا التواضع، نريد للعالم أن يشتعل بالكتابة والأصوات المتناغمة الفذّة. قد يحدث هذا بقليل من الغرور. - التجربة علمتني كثيراً بالتأكيد لأنها كانت الأولى، ولأنني خضتها بمفردي. خرجت منها بعدّة دروس، وعرفت أن مهمة الكاتب الشاب في العالم العربي شاقة لدرجة كبيرة. الأعمال التي يتم التسويق لها متوسطة المستوى إلى ضعيفة، وهناك أعمال رائعة لا يتم التسويق لها. هذا سببه أن أصحاب دور النشر لدينا يهتمون بالكتاب الذي يبيع ولا علاقة لهم بجودة الكتابة أو الأدب، من المفترض أن يكون لكل دار لجنة من المحررين تقوم باستقبال الكتب والحكم بعدها إن كان الكتاب يستحق النشر أم لا. بهذه الطريقة ستجد الأعمال الجيدة طريقها للقارئ وستكون هناك دائرة ثقة متبادلة بين الكاتب والناشر والقارئ. - القصيدة التي لم أكتبها. التي لم توجد بعد. لأن البعيد دائماً أقرب إليّ. - بأسماء كثيرة، يصعب حصرها، كل شاعر قرأت له وعشقت شعره أضاف لي بالتأكيد. - نحن بحاجة للأمرين معاً، لأن الحوار هو الحياة، هو التجربة التي نعيشها كلّ يوم. ودون هذه التجربة لا يمكن لنا أن نكتب الشعر وستتحول قصائدنا إلى كتابة عن الشعر وستصبح نظريّات في الفراغ. نحن بحاجة للحياة وبحاجة للشعر. - هذا يعود للكاتب نفسه، أي ذاكرة أقرب إليه؟ استرجاع ذاكرة الماضي، أم استقراء ذاكرة المستقبل؟ الأمر في كل الأحوال لا يهم طالما أنه يقود إلى كتابة جيّدة وحقيقية غير مدعية. - بالطبع لكل شخص رؤيته المختلفة، ومن خلال قراءتي لما يكتبه أصدقائي أعرف تماماً أن لكل منهم زاوية نظر حادة ومتجاوزة، وأنا شخصياً أستفيد منهم كل يوم حين أقرأ لهم. هذا التفاعل الذي يحدث بيننا كل يوم في شبكات التواصل يجعلنا نفكّر معاً بطريقة رائعة تنجب مزيداً من الأفكار المختلفة التي نحتاجها في مثل هذا الوقت. - كانت تلك تغريدة من النوع الذي يأخذك لأقصى الجهة المقابلة، كي تتوقف عن الكلام الجميل والمعسول وتبدأ بالتفكير في الجوهر. أعتقد أنه لا فرق بين النيات الحسنة والسيئة، الفرق يكون فقط بين النيات الحقيقية والمزيّفة. - بالضبط. هذا ما قصدته. لنبحث عن حياة الأفكار وليس عن موتها. - كانت تلك شريحة لونيّة واحدة للحريّة. قصدت بها التوضيح أنه لا وجود لحريّة كاملة وأنت محاط بالجموع، مهما كانت درجة تقبّل الآخرين لك، إلا أنك ستحتاج لشيء من المساومة. هذه المساومة هي مشكلة كل مجتمع، وهي السبب الدافع للعزلة. وربما إن وجدت تلك الأذن التي تستمع لك وأنت تعبّر عن ذاتك بكامل حريّتها، ستصبح عزلتك أقلّ وحشة. - هذه ليست مصادمات، هذه طريقة أفكّر بها وأتحدث بها وأنا مقتنع تماماً بحقيقتها. الأفكار حينما تُختصر في جملة واحدة تظهر على أنها غريبة وشاذة، لكن إن عادت إلى سياقها أو تناقشت مع صاحبها ستجدها مبررة ومنطقية. - لا أظن أن للتخصص علاقة بالكتابة، هما طريقان منفصلان. هذا حدث وذلك حدث. - الأمر يشبه الحاجة إلى التوازن، أشتاق إلى إيقاع قصيدة النثر، وأشتاق أيضاً إلى إيقاع قصيدة التفعيلة. لكل منهما سحره الخاص. وهنا يكمن جمال الشعر وتنوّع طرق الدهشة فيه. - الندم هو النتيجة الحتمية لكل شيء نفعله ولا نفعله في الحياة. لذلك لا أفكّر بشأن الندم إطلاقًا. والأصدقاء هم حياة وألوان كثيرة وموسيقى للصباحات، هذا شيء لا يقدّر بثمن. - فكرة الترجمة بدأت معي حينما وجدت كثيراً من المقالات والنصوص المعاصرة التي أثارت إعجابي وأردت مشاركتها مع متذوقي الجمال. هنالك محتوى رائع من الأدب الجميل الذي يكتب اليوم ولا يجد من ينقله إلى العربية، أردت أن أقبض على هذه اللحظة الكتابية وأنقلها دون الحاجة للانتظار عدة سنوات أو عقود لحدوث ذلك. - حققت من خلال هذه الفكرة عديداً من النتائج التي لم أكن أتوقع حدوثها، قراء المدونة في ازدياد وتصلني رسائلهم دائما وهم قراء واعون جدا، وعلى اطلاع ووعي جيد. من أجمل ما حدث لي خلال المدونة هو تمكني من التواصل معهم والاقتراب من ذائقتهم. - بالنسبة لنية تحويل المدونة إلى كتاب، هذه فكرة موجودة وما زلت أعمل عليها، وربما أصدرها في سلسلة كتب، تحمل اسم سلسلة «معطف فوق سرير العالم». - المعايير التي أعتمد عليها في الترجمة، ترتكز على الذائقة المحضة. - أقرأ كثيراً ولا أترجم إلا ما يبهرني فقط. - وهنالك أسماء غير معروفة ولكنها معاصرة وتكتب بطريقة جميلة جدا، مثل، إريل ليڤ، جانيت لوبلانك، وآخرون. - في الفترة الحالية سأستمر في القراءة والكتابة، سأحاول إنجاز بعض الأعمال، لا أستطيع التحدث عنها الآن لأنني لا أعلم ماذا سيحدث معي، لننتظر ونكتشفها معاً.