يضع القارئ همومه بين يديْ الكاتب الذي يظن أنه سيجد ملاذه عنده .. وكم خاب ظن قارئ بكاتب بعد أن كان قد أحسن الظن فيه .. للكاتب فكر واحد لكن القراء يريدونه أن يعبر عن أفكارهم .. وأحيانا يضجرون لو اختلف معهم .. ولأن الكتابة عمل انقلابي كما يصفها نزار قباني .. فهي لابد أن تحدث انقلاباً أبيض في داخل القارئ الذي إن لم يتأثر بما قرأ فيجب أن لا يضيع هذا الكاتب وقته بالكتابة ويبحث له عن مهنة بديلة قد يكون له فيها تأثير أفضل. ولأن الكتابة لا تنطبق عليها القاعدة السينمائية الشهيرة (الجمهور عايز كده) فلابد أن يكون للكاتب تأثير مباشر على القارئ يحسه ويشعر به ويتفاعل معه .. والكاتب لا يمكن أن يعبر عن رأي وفكر كل القراء .. ولا يمكن أن يقف معهم على خط متواز من المواقف أو أن يعبر عن قضاياهم جميعا .. والكاتب يجب أن لا يستسهل الأمر ويبحث عن إرضاء الشريحة الأكبر من القراء .. فيركب موجتهم ويتخذ موقفهم .. حتى وإن خالفت آراؤه الشخصية .. والمفترض بالكاتب أن يعبر عن رأيه بتجرد وشفافية حتى وإن اختلف مع الشريحة الأكبر من القراء .. والنجاح للكاتب أن يقنع من اختلفوا معه في الرأي بآرائه .. وأن يغير من قناعاتهم ويؤثر في اتجاهاتهم. إن الكتابة مهنة شاقة لا يمكن استسهالها .. وقد ساعدت التكنولوجيا حاليا في اتساع قاعدة الكتابة وسرعة تأثيرها .. فمن جانب لم تعد الكتابة حكرا على أولئك العاملين في مهنة الصحافة .. بل أصبح بمقدور كل من يمتلك أبسط الخبرات التكنولوجية أن يتحول الى كاتب من خلال انشاء مدونة أو موقع الكتروني ويمكنه نشر كل ما يريد ويشاء من آراء وأفكار ومعلومات .. وهناك أصحاب مدونات عدة لديهم قدرات على الكتابة والتعبير تفوق عشرات المرات العديد من محترفي هذه المهنة .. كما أن الكثير من تلك المدونات صار قراؤها بالآلاف ويفوق مبيعات بعض الصحف!! .. ومن جانب آخر فعلى الكاتب أن يجيد استخدام لغة العصر (التكنولوجيا) ويحسن التعامل معها لأنها إن أحسن استخدامها ستيسر له الكثير من الأمور العالقة .. التي سيعلق بها من دونها إلى أمد بعيد. يضع القارئ همومه في سلة الكاتب معتقداً أنه سيجد لديه الحل السحري لكل الهموم .. وينوع القارئ بين الكتّاب حتى من يختلف معهم لا يجد ضررا من أن يتوقف عندهم .. ويختلف القراء باختلاف ثقافاتهم وشخصياتهم .. فهناك من يبني انطباعات لموقف الكاتب بناء على موقف شخصي وليس مهنيا .. حتى دون أن يعرف عن شيئا. بين الكاتب والقارئ تلك العلاقة الانتقائية القائمة على الجدال والاختلاف .. والكاتب الجيد هو الذي يحسن اختيار مواضيعه في كل مقال يكتبه .. وهو الذي يحسن إثارة الدهشة والانبهار في داخل القارئ كل مرة .. وهو الذي يجعل القارئ لا يتوقع الى أين سيأخذه في مقاله الجديد .. أليست الكتابة مهنة شاقة ؟! ودمتم سالمين..