العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة. وكما كان هناك ملك يحكم الغابة فأمريكا اليوم هي أسد هذه الغابة. وكما ينص قانون الغابة أن (القوي يأكل الضعيف) كذلك الحال في غابة الأممالمتحدة. وبالطريقة التي تتفاهم بها حيوانات الغابة الأقوياء كذلك الحال في مجلس (الرعب) عفواً مجلس (الأمن). روسيا تبتلع الشيشان، والعراق يلتهم الكويت، وأمريكا بدورها تلتهم العراق. كما في أعماق المياه السمكة الكبيرة تبلع في جوفها الصغيرة. وكما تنوعت الحيوانات في السفاري التي تسرح فيها الضواري كذلك الحال في الغابة العالمية اليوم. بين أسد أمريكي وفيل هندي ودب روسي ونمر صيني وذئب ياباني ونسر أوروبي وثعلب صهيوني وجمل عربي وقرد إفريقي. وفي عالم (الحيوان) يتعرف المرء بسرعة على الكائن من جلده وأنيابه ولكن في عالم (الإنسان) يبتسم الرأسمالي بأسنان بيضاء ويعلق كرافتة حمراء ويكذب بقدر جبل. وصدق (جورج أورويل) في كتابه عن المزرعة (The Farm) أن الخنازير هم الذين سيديرونها فيسرقون بيض الدجاج ويسخرون الحصان لبناء طاحونة ويسيطرون على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العضاض. ومن نسل الخنزير الكبير تظهر ذرية خنازير تملأ المزرعة. وكما يقول (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة ص 96) أن «عالم السلطة يتحرك بآلية الغابة ففيه الذين يعيشون بالصيد والقتل، وهناك أيضاً أعداد هائلة من المخلوقات كالضباع ونسور الجيف التي تعتاش من صيد الآخرين». وفي أحداث سبتمبر بكى كل العالم عربا وعجما. وعندما قتل ألف مثقف في سجن تدمر في صحراء موحشة من سوريا في ليلة واحدة لم يسمع أحد. وما يصدر من أمريكا حاليا هو الذي يسود حتى المصطلحات فهم الذين عمموا كلمة (العولمة Globalization) و(الأصوليةFundamentalism) و(الشفافية Transparency). فهم الذين يفصلون ونحن الذين نلبس. وكما يقول (ابن خلدون) في المقدمة إن المغلوب يقلد الغالب للاعتقاد بكماله. فهو يقلده في شعاره وزيه ونحلته وسائر عوائده. وعندما كانت روما تصلب سبارتاكوس كان في نظرها إرهابيا. والتاريخ يكتبه الأقوياء. و(هتلر) اليوم مجرم ولكن لو سبق فامتلك السلاح النووي وفاز في الحرب لأخفى جرائم (آوسشيفتز) وقرأنا نسخة مختلفة للتاريخ. وعندما وقع (ترومان) بقرار واحد على مسح مدينتين يابانيتين، وكانت واحدة أكثر من كافية اعتبر بطلاً قوميا مع أنه قتل ربع مليون إنسان في ساعتين. ومن أعجب ما حدث في سبتمبر أن كل شيء نوقش ولكن لم يجرؤ أحد أن يناقش (لماذا؟) وأهمية مناقشة (لماذا) هي في المعالجة (السببية) وليس (العرضية) لأنه قابل للتكرار طالما كانت بذوره موجودة. وحينما يصاب المريض بارتفاع حرارة بسبب الملاريا قد تنفعه حبة الأسبرين ولكن الحرارة سوف تعود ما لم يأخذ المريض دواء (الكينين).