قالوا اتفق مجلس الرعب عفواً الأمن على تفكيك الكيماوي السوري، ولكن نسوا قوانين التفليسة؟ تماماً كما يفعل التاجر المفلس في السوق. ربع نخبئه، وربع نعلن عنه، وربع نبيعه في السوق السوداء، وربع لحزب الله، يستعين به على أمور دينه ودنياه؟ وما سيتفكك سيأخذ عشرات السنوات بكلفة دفعها مَنْ دفعها، وينجو العجي حتى حين. وما ربك بظلام للعبيد؟ إنها مهزلة العالم الذي نعيش فيه. النظام السوري سوف يضحك من جديد على العالم وهم يعلمون، والكل يضحك ويسخر بالكل؛ فهذه هي طبيعة العالم الذي نعيش فيه. العالم الذي نعيش فيه غابة. تسرح فيها الضواري بناب ومخلب. الكل يهزأ بالكل، والكل يستخف بالكل، والكل يقتل الكل، والكل عدو للكل. سفاري حيوانات. دب روسي، وفيل هندي، ونسر أمريكي، ونمر صيني، وقرد إفريقي، وجمل عربي وخروف سوري. مجلس الأمن مخلوق لتعطيل العدل في العالم. من أجل هذا خُلق، ومن أجل هذا يعمل، بموجب شريعة الغاب والناب. الويل للضعيف والهلاك للمغلوب. إنها روما من جديد تحرق قرطاج، وتقتل نصف مليون وتستعبد ما تبقى خمسين ألفاً إلى مزادات، روما الحافلة بالعبيد. من طغيان الكبار يستمد الطغاة الصغار شرعيتهم. ومنه يجب فهم كيف استطاع العجي السوري قتل مئات الآلاف على عين العالم وسمعه مع يوتيوب والأفلام. لأن العالم الحالي غير أخلاقي وغير مسؤول، تحكمه طواغيت شتى من الأوثان. تعلو فيه أصنام بشرية وحجرية. يا تُرى كم سيقتل من السوريين وماذا سيتبقى من حصاد الهشيم؟ قلت في مطلع الثورة إنه لن يبقى حجر على حجر. كان القتلى بالعشرات. كان تعليقي سيرتفع الرقم بالتدريج من العشرات إلى المئات إلى الآلاف إلى عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف، وقد يستقر عند مليون أو دون مليون أو أكثر من مليون. لكنه سيراوح عند إصابة ربع الشعب السوري على الأقل، بين قتيل وجريح، ومعطوب، ومعتوه، ومشلول، وهارب، وفقير معدم، ومتسول يبغي ما يسد رمق العيش. هذه هي ضريبة الديكتاتورية وتخلف القرون. في الرباط ألقيت محاضرة في 14 سبتمبر بعنوان «نقد الفكر الديني» استفتحت البحث بما كنت أناقش فيه أناساً في سوريا قبل نصف قرن، لماذا قفز الغرب إلى واجهة التاريخ، ونحن نرزح في العجز المقيم من ديكتاتوريات بحجم ديناصورات لاحمة، وفقر لازب، وتراجع علمي، ونضوب في الموارد، وتعصب يضرب بجذوره في تربة فقيرة؟ مَنْ لم يفقه التاريخ ويتعلم منه ويهضم دروسه جيداً يعيد الأخطاء مع الفوائد المركبة. سوريا دفعت خطيئة انقلاب البعث المشؤوم. ثم دفعت سوريا الدم من حماة بعشرات الآلاف أشد من هدير النواعير، والآن يدفع الشعب السوري الثمن عن خطيئة السكوت على حماة، ولسوف يدفع كل العالم الثمن عن إبادة الشعب السوري. لوحة جورنيكا، التي رسمها يوماً بيكاسو حبست الزمن في ذاكرة لا تنسى، والويل لمَنْ يغفل؛ فمَنْ يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.