ذكرى الشاعرة الإيرانية فروغ فرّخ زاد، مقترنة بالشتاء والبرد والثلج. قصيدتها الشهيرة التي تبدأ ببيتها الأشهر: «وهذه أنا -امرأة وحيدة- على عتبات فصل بارد»، التي بدأت بها المرحلة الشعرية الثانية لها، ثم موتها المبكر والمفاجئ في مثل هذه الأيام الشتوية جعل ذكرى رحيلها، ممزوجة برائحة البرد والشتاء. ولا شك أن فروغ فرّخ زاد هي أهم شاعرة إيرانية، تركت أثرا لا يستهان به على الشعر الفارسي المعاصر، وبالرغم من عمرها القصير، إلا أن اسمها بقي خالدا إلى جانب الأدباء الكبار في إيران والعالم. ولدت فروغ عام 1934م في طهران. تزوّجت في سنّ مبكرة، وتحديدا في ال16 من عمرها من رجل يكبرها ب15 عاما، إلا أن هذا الزواج لم يدم أكثر من خمسة أعوام. فانفصلت فروغ عن زوجها، إلا أن تعرفها بعد سنوات على الكاتب والمخرج العبقري الإيراني إبراهيم كُلِستان، كان نقطة عطف في حياتها. فدخلت بتأثر منه مجال السينما تمثيلا وإخراجا، وأخرجت أحد أهم الأفلام التسجيلية في إيران الذي تم تصويره في دار المجذومين، تحت عنوان «البيتُ أسود». وقد حصل هذا الفيلم على جائزة أفضل فيلم في مهرجان أوبير هاوزن في ألمانيا. كما أنها شاركت في إعداد أفلام ناجحة أخرى وقامت بالتمثيل. وفي عام 1965م أخرج المخرج الإيطالي، برناردو برتولوتشي فيلما في نصف ساعة عن حياة فروغ فرخ زاد بطلب من منظمة اليونسكو. ولفروغ وجهان وتجربتان. الوجه الأول يشمل دواوينها الثلاثة الأولى. وهو وجه متمرد لامرأة تعيش في بيت محاصر، فهي تتحدث خلال تجربتها الأولى عن امرأة وحيدة ومتمردة ومعترضة، تساورها مشاعر المرأة والأم، وإضافة إلى ذلك تروم إلى الوقوف في وجه تقاليد الأسرة والمجتمع. لا اختلاف في الأساليب الشعرية لديها عما يكتب معاصروها آنذاك، إلا أن صوتها المعترض كان فريدا، ميزها منذ بدايتها الشعرية عن شاعرات عصرها وشعرائه. أما الوجه الآخر لفروغ فرخ زاد فيبدأ بصدور ديوانها «ميلاد آخر»، فكما ميلاد حقيقي آخر، أظهرت الشاعرة عبره وجها عالميا لنفسها ولشعرها وأسلوبا منفردا خاصا بها، وذلك عبر تطور الفكر واللغة والتعبير لديها. نظرتها نحو العالم تحولت من شاعرة تكتب حسب غريزتها ومشاعرها إلى شاعرة تروض المشاعر والأحاسيس وتسكبها في ظرف لغة حررت نفسها هي الأخرى من القوالب السائدة لدى الشعراء الرومنطيقيين آنذاك، وفروغ، هي التي تقول في حوار لها: «أعتقد أن العمل الأدبي ينبغي أن يلازمه الوعي. وعي بالنسبة للحياة والوجود والجسم. وحتى بالنسبة لهذه التفاحة التي نقضمها. لا يمكن أن نعيش حسب الغرائز فقط. بمعنى أن الفنان لا يستطيع ذلك كما لا يمكنه». وعندما نقوم بدراسة شعر فروغ منذ البداية حتى نهاية مسارها الشعري، نجد أنها شاعرة مستقلة استخدمت وعيها وذكاءها وذاتها الشاعرة لتسير في طريق الحرية والخلود كما أي شاعرة عظيمة وشاعر عظيم. أصدرت فروغ خلال حياتها خمسة دواوين؛ «الأسيرة» (1952م)، «جدار» (1957م)، «تمرد» (1959م)، «ميلاد آخر» (1962م) وديوانها الأخير الذي لم ينته «فلنؤمن بحلول الفصل البارد»، صدر بعد وفاتها. توفيت فروغ شتاء عام 1966م إثر حادث سيارة.