في الثاني والعشرين من فبراير، تتوقَّف المملكة لحظةً في الزمان، لكنَّها تحمل في طيَّاتها تاريخًا عميقًا من العزيمة، والقيم الأصيلة، والوحدة الوطنية، في هذا اليوم، الذي وجَّه خادم الحرمين الشريفين بأن يكون احتفاءً بيوم التأسيس، ليس مجرد ذكرى لقيام الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود في عام 1727م، بل هو تأكيدٌ على عمق ارتباط المملكة بقيمها الراسخة، وهي ذات القيم التي كانت نواةً للدولة، وحجر الأساس الذي بُني عليه كيانها العظيم. يذكرنا يوم التأسيس بأنَّ ما بُنيت عليه هذه الأرض ليس مجرد حدود أو أعلام، بل مبادئ ساميةٌ وقيمٌ راسخةٌ أسَّسها الإمام محمد بن سعود، الذي رسَّخ مفهوم الوحدة والانتماء، وحقق الاستقرار في مرحلةٍ مفصلية من تاريخ الجزيرة العربية، وهذه القيم تحديدًا هي التي أوقدت مشعل الحضارة في الدولة السعودية الأولى، وأصبحت مُلهمةً للأجيال المتعاقبة، وصولًا إلى هذا العهد الزاهر. واليوم، وبينما نحتفل بهذا العمق التاريخي، تقف المملكة في قلب رؤيةٍ وطنيةٍ كبرى، تُؤكِّد أن الإنسان السعودي هو امتدادٌ حيٌّ لتلك القيم التي تأسست عليها الدولة قبل ثلاثة قرون، وضمن هذه الرؤية، يأتي برنامج تنمية القدرات البشرية ليكون ترجمةً عصريةً للقيم ذاتها التي زرعها الآباء المؤسسون، من خلال العمل على بناء مواطنٍ يمتلك القيم، والمعرفة، والمهارات، يكون منافسًا عالميًا، متجذرًا في هويته، وراسخًا في انتمائه الوطني. ويتضح جليًا أنّ القيم التي يحتفل بها يوم التأسيس من عزيمةٍ ومثابرة، ووسطيةٍ وتسامح، ووحدةٍ وانتماء، هي ذاتها التي يتبناها برنامج تنمية القدرات البشرية في كلِّ مراحله، بدءًا من الطفولة المبكرة وحتى التعلم مدى الحياة، حيث لا يكتفي البرنامج بتطوير المهارات وتوطين المعرفة، بل هو في جوهره يعمل على غرس القيم التي تجعل من المواطن السعودي رمزًا للانتماء، وقادرًا على مواجهة تحديات المستقبل بثقةٍ مستمدةٍ من عمق الماضي. ومن هنا يأتي الترابط الوثيق بين يوم التأسيس وبرنامج تنمية القدرات البشرية، فكلاهما يلتقيان عند هدفٍ واحدٍ؛ هو بناء الإنسان السعودي المعتز بقيمه وجذوره، والمتطلع بثباتٍ نحو المستقبل، وإذا كان يوم التأسيس هو يوم اعتزازٍ بالجذور الحضارية، فإن برنامج تنمية القدرات البشرية هو تجسيدٌ حيٌّ لذلك الاعتزاز، عبر تطوير منظومة تعليمٍ وتدريبٍ تُرسِّخ في شباب الوطن قيم الهوية الوطنية، وتُعزِّز ثقافة العمل الجاد، والإبداع، والابتكار. والأكيد أنّ القيم التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى لم تكن مجرد شعاراتٍ تُقال، بل كانت منهج حياةٍ انتقل من جيلٍ إلى جيل، واليوم يتجدد العهد بها من خلال مبادراتٍ تعزز القيم الوطنية في جميع مراحل التعليم، وترسِّخ العناية باللغة العربية، وتُنمي الانتماء الوطني والمواطنة العالمية، وتجعل من المواطن السعودي إنسانًا واثقًا، مبادرًا، مُنافسًا على المستوى العالمي، وفي نفس الوقت معتزًا بجذوره التاريخية العريقة. نستذكر في يوم التأسيس كيف تمكَّن الإمام محمد بن سعود من بناء كيانٍ عظيمٍ من خلال ترسيخ القيم وتوحيد القلوب حول رؤيةٍ واحدة، وها نحن اليوم، بفضل الله، ثم بقيادةٍ حكيمةٍ تؤمن بقوة الإنسان السعودي، نُكمل هذا البناء، ولكن هذه المرة من خلال الإنسان نفسه، الذي نعمل على تنمية قدراته، وغرس القيم فيه منذ الصغر، حتى يواصل مسيرة الحضارة، ويكون امتدادًا حقيقيًا لقصة نجاحٍ بدأت منذ التأسيس. هكذا، تتجدد قصة المملكة في كل عام، وبذات القيم الأصيلة التي تُذكرنا بأن يوم التأسيس لم يكن بدايةً وحسب، بل هو رسالةٌ مستمرةٌ من جيلٍ إلى جيل، بأن القيم الراسخة هي السر وراء نجاح المملكة، وأن تنمية القدرات البشرية هي الطريق نحو مستقبلٍ يليق بتاريخٍ يزداد رسوخًا كلما مرَّت الأيام.