زاوية: في خضم الحياة العمل جار على قدم وساق، والجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة السعودية مستمرة لتقديم أعلى درجات العناية والاهتمام بشجرة البن ذات الأصول المتجذرة في التراب السعودي، للوصول بثمرتها إلى أعلى درجات الجودة والمنافسة العالمية، جودة وإنتاجا وتفردا وما براءات الاختراع التي سجلتها جامعة جازان مؤخرا لأربعة أصناف نباتية من البن السعودي إلا دليلا قاطعا إن هناك تحديا حقيقا للمضي بهذا النوع من المحاصيل الزراعية إلى آفاق أعلى من التفوق والنجاح، لتضاف إلى قائمة المحاصيل ذات الأهمية العالمية والمردود الاقتصادي الضخم، لتنضم إلى ركب تلك المحاصيل التي وصلت إلى جميع نواحي العالم كالتمور والزيتون وغيرها... والتي أصبحت اليوم من المزروعات الرئيسة على مستوى المملكة والتي يتم إنتاجها بجودة عالية ومنافسة عالمية. ولا شك بأن تجارة البن اليوم أصبحت من أهم إحدى أهم وأبرز السلع الأغلى ثمنا في العالم، حيث تعد القهوة المشروب الأكثر استهلاكا على المستوى الدولي، وتقدر قيمة قطاع القهوة العالمي بأكثر من 100 مليار دولار أميركي. يعتقد البعض بأن زراعة البن السعودي من الزراعات المستحدثة، وهذا الاعتقاد غير صحيح، لأن زراعة البن السعودي تعود زراعتها إلى قرون عديدة، وما تزال بعض أشجار البن العمرة موجودة إلى اليوم في جبال فيفاء وبني مالك بمنطقة جازان، والتي قدر عمرها بأكثر من 500 عام؛ فمهنة زراعة البن متوارثة في جنوب المملكة العربية السعودية عبر الأجيال، وليست مجرد مهنة يقصد بها الزراعة ومن ثم بيع المحصول وتنتهي الحكاية، بل إن المسألة أكبر وأعمق من ذلك، فهي ليست مجرد مشروب يومي يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة، فالقهوة أصبحت تجربة ثقافية واجتماعية لدى السكان الذين يعتنون بزراعة شجرتها، ويعتبرون ذلك ثقافة وأصالة وحرفة يتوارثونها جيلا بعد جيل. وتعزيزا لهذا المبدأ فقد نجحت السعودية في تسجيل البن في قائمة «اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي» وتعتبر القهوة من أبرز الرموز المصنفة ضمن عادات الكرم والحفاوة والترحاب التي يستقبل بها الضيف، لدى معظم البلاد العربية، وهي من العادات الغذائية التقليدية المتأصلة وجزء لا يتجزأ من حياة الكثير... والموطن الطبيعي لزراعة البن السعودي الأصيل، يقع على امتداد المناطق الجنوبية للملكة العربية السعودية، وتعرف هذه المناطق- تحديدا- بالأصدار، وهي المناطة الواقعة بين سهول تهامة وقمم جبال السروات. وتعد السعودية من أكثر 10 دول حول العالم استهلاكا للبن بأكثر من 80 ألف طن سنويا، وتستورد أسواقها سنويا من البن ما بين 70 إلى 90 ألف طن، وأما ما ينفقه مواطنيها لإعداد القهوة أو شرائها جاهزة فحدث ولا حرج، فهم ينفقون ما معدله أكثر من مليار ريال سنويا. ونتيجة لكل ما سبق فإن زراعة البن السعودي تشهد نموا ملحوظا، من ذلك المسعى المعلن لوزارة البيئة والمياه والزراعة إلى جعل 15 محافظة في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد مصدرا مهما لإنتاج البن،- خصوصا- «البن الخولاني» الذي يمتاز بالجودة عن بقية الأنواع. ومما يدعو للفخر بأن البن السعودي يعتبر الأعلى جودة على مستوى العالم حسب ما أكده نائب وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي منصور المشيطي، خلال «المعرض الدولي للبن السعودي 2024»، و «مؤتمر جازان الدولي الأول لأبحاث البن» في جازان. وهاهي المملكة العربية السعودية اليوم تتجه نحو المواني العالمية ليكون لها مكان بين مصدري البن العالميين؛ ففي مطلع شهر يناير الماضي بدأت "تعاونية البن" بجازان تصدير أول شحنة من البن السعودي المزروع في مزارع محافظة الداير إلى دولة بلجيكا، شرق أوروبا؛ وذلك تزامنا مع المعرض الدولي للبن السعودي 2025م. ونحن نتطلع بكل شوق إلى أن نرى جميع تلك المدرجات والحقول المنظومة كعقود اللؤلؤ في صدور جبال الباحة وعسير وجازان وهي تزهو بأكاليل أشجار البن الخضراء، كما كانت في سابق الزمان، في عهد قديم ليس بالبعيد. الكاتب: علي بن أحمد السحاري لصحيفة الرأي الإلكترونية