أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، ومواقع مشاركة المحتوى، أمراً واقعاً في عصر الفضاء المفتوح، وقدمت حلولاً لممارسة التعبير بحرية فاقت كل ما عداها من وسائل تعبير، وأفلتت من بين أصابع قبضة الرقابة، وأتاحت ساحات مفتوحة أمام الجميع، ليعبروا عن شخصياتهم وفق ما يتراءى لهم، فانطلقوا ينشرون آراءهم وصورهم وكثيراً من إبداعاتهم، يتبادلون الأفكار والمعلومات، ويتراسلون بحرية شبه مطلقة، وهم يشعرون بالقدرة على التحكم في كل ما يتعلق بهوياتهم. لكن هذه الأجواء المفتوحة للتعبير، بقيت باحات مستباحة لجهات تتسلل وتحلل وترصد وتنتقي ما تشاء من معلومات، وتخلق كيانات مخادعة، وتتصيد من يناوئها، وباتت تمارس الإرهاب الفكري بطرق أكثر حداثة. الشبكات الاجتماعية وتشير إحصاءات 2011 إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي ومشاركة المحتوى عبر الإنترنت شهدت طفرة غير مسبوقة في عدد المستخدمين وحجم البيانات التي تم تبادلها عبرها. وفيما أغلقت مواقع عديدة أبوابها، واصلت مواقع أخرى تألقها على نحو لافت. وبقي موقع «الفيس بوك» متصدراً لها، فيما اعتبره محللون بمثابة «الأمر الواقع» في عالم الإنترنت. واعتمدت الإحصاءات في جانب أساسي منها على تحليلات جوجل لمعدلات زيارة الشبكات الاجتماعية، على اعتبار ما تمثله «جوجل» من تفوق تقني عالمي على مستوى محركات البحث. ووفقاً لإحصاءات شركة Ignite المختصة بدراسة شبكات التواصل الاجتماعي، التي أعلنتها خلال2011 حول استخدامات شبكات التواصل الاجتماعي، اعتمدت فيها على أداتين من أدوات جوجل لتحليل مصادر المعلومات (Adplanner و Insights)، فقد تم تحليل معدلات البحث عن 54 شبكة للتواصل الاجتماعي ومشاركة المحتوى على الإنترنت، بعد أن أضيفت إلى قائمة التحليل 15 شبكة جديدة وحذفت منها شبكات توقفت عن العمل. فئة الشباب وتتمثل غالبية مستخدمي الشبكات التي أخضعت للدراسة في فئة من المستخدمين تتراوح أعمارهم بين 24 و35 سنة (الشباب) وهي الفئة الغالبة على معظم تلك الشبكات. كما يحمل غالبية مستخدميها شهادات جامعية أو يدرسون في الجامعة. وتشير الإحصاءات إلى أن غالبية مستخدمي تلك الشبكات هم من ذوي الدخول المرتفعة. ويلاحظ استئثار دول معينة (الولاياتالمتحدة، الصين، ألمانيا، المملكة المتحدة) بالنسبة العظمى من الاستخدام. كما أن ثمة شبكات تستخدم بشكل مطلق من قبل فئة إثنية أو جماعة لغوية معيِّنة دون غيرها، كما في حالات الصين وكوريا وإسبانيا والدول الإسكندنافية. الغالبية للرجال وبينما كانت الغالبية للرجال على النساء في البحث عن بعض الشبكات (مثل: Digg، Douban، Fark، Netlog، Reddit، Renren، ) فإن النساء استأثرن بشبكات أخرى مقارنة بالرجال ( مثل: Badoo، Bebo، Facebook، Flickr، Foursquare، Friendster، Gather، Habbo، Hi5، IMVU، MySpace، Plaxo، Stumbleupon، Tagged، Tribe، Twitter، Xanga) وتعادل النوعان في بحثهم عن شبكات مثل Flixster، Last.fm، Metafilter، Multiply). استخدام السعوديين وسُجل تواجد متواضع للسعوديين في الشبكات الاجتماعية حيث لم تسجل إلا نسب تواجد ضئيلة لهم في شبكات مثل Flixster، و IMVU، و Friendster، Multiply، Netlog، Xanga). لكن إحصاءات نشرت عبر الإنترنت تشير إلى أن أعداد السعوديين الأعضاء في شبكة فيس بوك. بلغ أكثر من 4.5 مليون مستخدم مما يجعل المملكة تحتل ثاني أكبر مركز على المستوى العربي بين مستخدمي الشبكة، بعد مصر التي يقدر عدد أعضائها في الفيس بوك بنحو خمسة ملايين عضو. وتشير الإحصاءات إلى أن 53% من مستخدمي الفيس بوك في السعودية تتراوح أعمارهم بين 19و29 سنة، فيما تصل نسبة من تتراوح أعمارهم بين 30و45 سنة إلى نحو 25%. ومن تقل أعمارهم عن 18 سنة تصل نسبتهم 17%. ويمثل الرجال النسبة العظمى بين مستخدمي الفيس بوك في السعودية بواقع 65% بينما تحتل النساء نسبة 32%. وتعادل استخدام اللغتين العربية والإنجليزية بين مستخدمي الفيس بوك إلى حد ما. ويخفي نحو 70% من المستخدمين حالتهم الاجتماعية. بينما لا يظهر سوى 18% كونهم عزاب، و8% كونهم متزوجون. وتبلغ نسبة الإناث بين المراهقين من المستخدمين نحو 44%، بينما تصل نسبتهن إلى 33% في الفئة العمرية بين 19-29، وتبلغ 23% في الفئة العمرية من 30 – 45، وكذلك في الفئة من 46 – 64 سنة. وفي الفئة الأخيرة تزداد نسبة مستخدمي اللغة الإنجليزية لتصل إلى 72%. استخدام السعوديات وتشير دراسة إلى أن النساء السعوديات يستخدمن شبكات التواصل الاجتماعي لثلاثة أسباب: الإبقاء على صلات قوية مع صداقات قديمة أو جديدة، وللتعبير عن مشاعرهن من خلال تبادل أفكارهن مع الآخرين، وأخيراً للتسلية البريئة من خلال المشاركة في تطبيقات خفيفة تتضمن تساؤلات طريفة، وتوزع نسب المجيبين عنها في صورة تبين مدى شعبية المشاركين وأسئلتهم. لكن المشاركة في تلك التطبيقات تتطلب السماح للمشاركين بالدخول على حساباتهم، ومن هنا يمكن أن يحدث الاختراق للخصوصية. كما أن تلك المشاركات تفترض أحياناً حدوث بعض الخداع، حيث إن كثيراً ما يدعي المشاركون هويات مزيفة أو حتى يشاركون تحت مسميات مختلفة عن نوعهم الاجتماعي الأصلي. وتنبع المشكلات النسائية على الفيس بوك من مشاركة معلوماتهن الحقيقية كالصور وأرقام الهاتف والعناوين وأماكن العمل وما إلى ذلك. ويلجأ كثيرون إلى استخدام هويات زائفة. كما أن تخوف البعض من الملاحقة، أو الرغبة في حماية الخصوصية، فإنهم يدخلون إلى حساباتهم عبر برامج البروكسي. وهذا كله يؤثر على أية دراسات علمية تستهدف تحليل المستخدمين على أسس سليمة. وهو ما يجعل أي معلومات متاحة عن مستخدمي الشبكات الاجتماعية غير موثوق منها. أساليب «القنص» وكما أن التقنية تستخدم في النضال من أجل حرية التعبير، وكسر الحصار الحديدي الذي تمارسه بعض الأنظمة على شعوبها، فإن ثمة تقنيات أخرى تمارسها تلك الأنظمة في المقابل للوصول إلى مناوئيها، واعتقال من يستغلون التقنية في تمرير علاقات مشبوهة، خاصة فيما يخص الإرهاب. ولعل من أبسط الطرق لجمع المعلومات عن مستخدمي الشبكات الاجتماعية، هي البحث عن صفحات ذات اهتمامات معينة، ومن ثم التصفح لأعضائها وجمع معلومات عنهم، وعن آرائهم، وتحليلها. والطريقة الأخرى، المشاركة في التطبيقات. وهي في شبكة مثل الفيس بوك تتطلب السماح من العضو بالدخول على معلوماته الخاصة، حتى يتسنى له المشاركة في تطبيق معاً. وهي من الأساليب الشائعة في سرقة المعلومات التي تتسم بالخصوصية، وأحياناً يتطور الأمر إلى سرقة الحساب الشخصي نفسه وإساءة استغلاله. مقاهي الإنترنت وتُعد مقاهي الأنترنت، من أشهر النوافذ المفتوحة على مصراعيها لاختراق الحسابات الشخصية للمستخدمين، سواء بريدهم الإلكتروني، أو معلومات الدخول في شبكات التواصل الاجتماعي، والمنتديات والمدونات، وقد لعبت المقاهي في حالات كثيرة أدواراً مهمة في اعتقال عديد ممن نُسبت إليهم لاحقاً تهم الاتصال بعناصر إرهابية والمشاركة في عمليات تستهدف النيل من الأمن الوطني في بلدان عديدة. ويستخدم أصحاب مقاهي الإنترنت، برامج مراقبة تتيح لهم حفظ كلمات المرور وأسماء المستخدمين، والتلصص على مراسلاتهم ومحادثاتهم الخاصة. ولاشك أن البعض يسخر تلك القدرات التقنية في خدمة الجهات الأمنية، والبعض الآخر قد يستغلها لإشباع فضوله في اختراق خصوصية الغير. اختراق الخصوصية ويستخدم البعض شبكات مثل «Second life «في التسلل إلى بعض الشخصيات واختراق خصوصياتهم. ومعروف أن مستخدمي هذا الموقع والمواقع التي على شاكلته، يتمتعون بقدر كبير من الحرية، ولا يترددون في التعبير عن أحلامهم ومشاركتها مع الغير، وبالتالي يمكن أن يتحول هذا الموقع إلى مصيدة سهلة للراغبين في قنص معارضيهم السياسيين، أو الإيقاع بهم بسهولة شديدة. فمن يدخلون على تلك المواقع أصلاً هم أناس يرغبون في التعرف على الآخرين والتفاعل معهم. وبالتالي قد يفقدون حذرهم ويتشاركون معلومات شخصية قد يقتنصها آخرون يتربصون بهم. وبالطبع ليست كل الحالات مصدراً للقنص الأمني أو الاستغلال المادي. فكثيراً ما كانت الصداقات التي تتم عبر الفيس بوك أو غيره من الشبكات صداقات حقيقية ومحترمة. الأمن القومي والواقع أن مشاركة أصحاب مقاهي الإنترنت في أعمال تتعلق بحماية الأمن القومي هو من الأمور الشائعة حول العالم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، المبادرة التي أطلقت في بريطانيا لتشجيع أصحاب مقاهي الإنترنت على تفقد المواقع التي يزورها رواد مقاهيهم، وإبلاغ الشرطة عن أي شبهة تتعلق بهؤلاء المستخدمين، والمعروفة بمبادرة منع التطرف والعنف PVE. وقد نتج عن تلك المبادرة اعتقال عدد من المشتبه في انتمائهم لجماعات إرهابية في بريطانيا. ومن هؤلاء من حكم عليه بالسجن لأعوام بين 32 و 40 عاماً، إثر اكتشاف أنهم تبادلوا إيميلات تتضمن القيام بأعمال تخريب وتفجير وقتل مدنيين. وتستهدف هذه المبادرة أساساً منع دعم المستخدمين للمنظمات أو الجماعات الإرهابية والإجرامية عموماً. وهناك عشرات البرامج التي توزع مجاناً عبر الإنترنت وتستهدف مساعدة أصحاب المقاهي على التجسس على رواد مقاهيهم ممن يستخدمون الشبكات الاجتماعية أو مواقع مشاركة المحتوى. وجميعها توفر أدوات مفيدة لتعقب المستخدمين والتجسس عليهم. النزاهة والمنفعة ويمثل الخطر المتعلق بأمن المستخدمين، وأمن معلوماتهم الخاصة واتصالاتهم،الهاجس الذي يهدد مرتادي الشبكات الاجتماعية والمنتديات والمدونات، وغيرها من مواقع مشاركة المحتوى، فإن ثمة خطر آخر أخلاقي يتعلق ببيع معلومات المستخدمين لجهات مهتمة بالترويج لمنتجات أو خدمات، بأبخس الأثمان. والواقع أن تداول المعلومات الشخصية للمشتركين أصبح أمراً شائعاً، وهو ما يفسر تلقي مستخدم لا علاقة له بأي شركة أو منظمة تجارية لرسائل إيميل مزعجة (Spam) تتضمن عروضاً لم يطلبها. وكان البعض يستغرب فيما مضى أن تصله مثل تلك العروض، ولكن بمرور الوقت بدا واضحاً أن المنتديات وشبكات التواصل تتاجر سراً بتلك المعلومات. ثروة متجددة و يزيد عدد أعضاء»فيس بوك» على 800 مليون عضو، حيث يمكن أن تتحول تلك المعلومات الهائلة التي تحفظها سيرفرات الفيس بوك إلى ثروة متجددة تفوق ميزانيات بعض الدول عند تداولها مع المهتمين. ويحتل الفيس بوك المرتبة الثانية في الشعبية وفق موقع Alexa بين أبرز 500 موقع على الإنترنت. يليه موقع يوتيوب في المرتبة الثالثة، وتويتر في المرتبة العاشرة. ويدعي جميع أصحاب المنتديات والشبكات الاجتماعية النزاهة حين يؤكدون لمستخدميهم أن معلوماتهم ستبقى طي الكتمان، لكنهم في الواقع يمارسون البيع المستمر لتلك المعلومات التي يتم تحليلها كمصدر مهم من مصادر معلومات السوق لا يقدر بثمن. وتبدو أهمية ذلك حين نعلم أن موقع الفيس بوك يرتاده نحو 250 مليون عضو يومياً. والتعرض لمثل تلك الأعداد الهائلة عبر شبكة واحدة، لاشك أنه يفوق أهمية الإعلان في أي وسيلة إعلامية أخرى. تعطيل وحجب وظهرت مؤخراً مشكلة أثارت غضب كثيرين من مستخدمي شبكات البلاك بيري، وذلك بعد أن أبدى المسؤولون عنها استعدادهم للتعاون مع الشرطة البريطانية لكشف المنسقين للاضطرابات الأخيرة، والمشجعين على الفوضى. وهو ما جعل ثقة المستخدم في تلك الشبكة حل تساؤل من لدن كثير من المستخدمين. خاصة وأن ذلك يحدث في دولة مثل بريطانيا تتشدق بحرية الرأي. وما زاد من صعوبة الصدمة على مستخدمي الإنترنت ، ما أشيع عن عزم الحكومة البريطانية تعطيل بعض الشبكات الاجتماعية أو حجبها، وهو ما يمثل اعتداء على أمن وحرية المستخدمين. وحتى الآن، لا يمكن تصور اختفاء الشبكات الاجتماعية، فالتطور التقني يمكن أن يحدث معجزة في أي وقت، بحيث يصعب التنبؤ باتجاهاته أو مستقبله. وفي ظل لغات التصميم الجديدة، واتجاهات البرمجة الأحدث، يمكن تصور توسع أكبر في تبادل المحتوى خارج الخط (Offline)، بحيث أصبح بمقدور المستخدمين في ظل لغة HTML5 تحميل محتوى مواقع الإنترنت على أجهزتهم كاملة وتصفحه بعيداً عن التواجد على الخط (Online)، وهو ما يمكن أن يعد بحلول مختلفة، ويخلق عقبات أكثر تنوعاً في وجه مسؤولي أمن الشبكات، والراغبين في تصيد الأخطاء، وتعقب المناوئين. حماية الخصوصية ثمة نصائح قد تفيد في تجنب إساءة استغلال الشبكات والمنتديات والمدونات من قبل جهات أو أشخاص غير مرغوب فيهم. ومن ذلك: 1 – كن حصيفاً: فلا تكتب أي شيء على حائط صفحتك بشبكة اجتماعية، أو منتدى، أو مدونة وما على شاكلة ذلك من مواقع يمكن أن تحاسب عليه قانونياً، أو يعرض خصوصيتك للاختراق أو إساءة الاستخدام، كعنوان السكن، أو تاريخ ميلادك، أو راتبك أو رقم حسابك في البنك، فضلاً عن تفاصيل حياتك اليومية وعملك أو أسرتك، وبالطبع كلمة المرور إلى أيميلك. 2 – كن متشككاً: فلا تسلم بحقيقة ما ترى أو تسمع. وافترض زيف ما تتعرض له، وتشكك فيه. فالفيس بوك مثلاً، مليء بمعلومات مفيدة للباحثين عن المعلومات. ولكن تلك المعلومات قد لا تكون حقيقية أو صادقة. وكثيراً ما تتسبب حسن النية في الوقوع في مآزق. وكما يوجد الصالح بين أعضاء تلك الشبكات، يوجد الطالح والمريض نفسياً. 3 – كن متعقلاً: فلا تكتب أي شيء ينطوي على ثرثرة غير مفيدة أو مزعجة، ولا تطالب بشيء فاحش، ولا تقع في مأزق السب والقذف والتشهير، كن بارداً ومهنياً، وفكر مرتين قبل أن تكتب كلماتك. 4 – كن محترفاً: فعندما تطرح صورة أو فيديو عبر شبكة للتواصل الاجتماعي، تأكد أنها تعبِّر عما تريد التعبير عنه بدقة واحترافية. فلا تفعل ما قد يتسبب في احتقارك، أو إساءة فهمك، أو يعطي عنك انطباعاً يثير السخرية. 5 – التزم الحذر: فالأشخاص على الإنترنت قد يبدون على غير حقيقتهم، فمن تتعامل معه، أو تحادثه على أنه رئيس مجلس إدارة، قد لا يكون أكثر من مراهق في الرابعة عشرة من عمره. 6 – تأكد من فهمك لسياسة الخصوصية: فمعظم الشبكات الاجتماعية الكبرى تتمسك بخطوط إرشادية صارمة في حماية الخصوصية. وأي تجاوز لتلك الخطوط يعرضك لعقوبات قد تصل إلى تعطيل بعض مزايا حسابك، أو إلغائه. فإن لم تعجبك شروط الخصوصية فلا داعي لأن تشترك في عضوية الموقع.