عندما تسأل أي من قادة حركة حماس في قطاع غزة، عن مستقبل الحركة في ظل حالة العزلة التي يفرضها عليها نظام العسكر في مصر، يكون الرد أن القطاع قد عانى كثيراً وما يزال من الحصار الإسرائيلي طوال السنوات الأخيرة، وحماس لم تخرج حتى الآن من حالة العزلة المفروضة عليها منذ عام 2007، باستثناء العام الأخير الذي شهد نوعاً من الانفراجة بعد وصول الرئيس مرسي للسلطة في مصر عام 2012، ولا يتوقع الساسة في حماس تعرض القطاع لحصار أقوي من الحصار الدائم. لكن من المهم الإشارة إلي أن السيناريو الأسوأ قد بدأ يلوح في الأفق، بعد تحويل حماس إلي طرف معادي وتحميلها مسؤولية الكثير من الأحداث الجارية في سيناء، لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل موجه العداء الشديد لقطاع غزة والتي تتوافق مع إصرار الجيش على هدم الأنفاق وتضييق الخناق على معبر رفح، لذلك يجب فهم الأمر بشكل مختلف عن الحصار الإسرائيلي، لأن مصر لم تعد على المستوي القريب الوسيط الإقليمي الذي يتدخل في وقت معين لتخفيف الحصار، فالإشكالية تتبلور في تحول الموقف المصري من الوساطة إلي الشراكة في فرض الحصار. مصر كطرف رئيس في حصار غزة: صحيح أن إسرائيل والكثير من الأطراف العربية وربما الفلسطينية أيضاً، كانت قد سعت جميعها لتشديد الحصار على حماس خلال السنوات الماضية، لكن في الظاهر كانت إسرائيل تشكل الطرف الأساسي الذي يفرض الحصار، على عكس الوضع الحالي، فإذا كان الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة يجعل منه محط أنظار العالم العربي والإسلامي وأحيانا الدولي، فكيف يمكن تصور الأمر إذا كانت مصر هي من تفرض العزلة على غزة، فالأمر مختلف في كلتا الحالتين، فالحصار الإسرائيلي يضفي على القضية طابع إنساني، مما يدفع الكثير من الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الغربية لتقديم مساعداتها عبر الأراضي المصرية، حيث تقوم الأخيرة بتسهيل مهمة هذه المساعدات، كالمساعدات القطرية الأخيرة لقطاع غزة، لكن في الوضع الحالي يبدو أن الأمر يسير في اتجاه غير واضح لأن الحكومة الحالية في مصر باتت تتعامل مع قطاع غزة ككيان معادي، بعد اتهام رئيسها المعزول بالتخابر مع حماس، بالتالي من الصعب تصور موقفها في تسهيل إيصال المساعدات لقطاع غزة. عند العودة قليلاً لفترة حكم الرئيس المخلوع مبارك، الذي شارك بلا شك في الحصار المفروض على قطاع غزة، لكنه في نفس الوق ت كان يستجيب إلي حد معين لتخفيف هذا الحصار، خاصة وأن الرأي العام المصري والعربي لم يكن يقبل مشاركة الطرف المصري آنذاك بحصار الفلسطينيين في غزة، فإذا كانت غزة وحماس تستفيد من التعاطف الشعبي المصري العربي معها، فكيف يمكن أن تستفيد في ظل حالة السخط الشعبي الذي نجح الإعلام المصري بترسيخه خلال فترة حكم الرئيس مرسي، فالاعتماد على الرأي العام المصري في الضغط على الحكومة المصرية الحالية لتخفيف الحصار على غزة قد يكون خيار ضعيف، لأن شريحة كبيرة من الرأي العام المصري باتت على قناعة بمسؤولية حماس عن ما يحدث في الداخل المصري، بالتالي استخدام الرأي العام الشعبي للضغط على الحكومة المصرية قد يكون في أسوأ حالاته للأسباب السابقة. غزة والأمن القومي المصري: تشكل غزة جزء مهم من الأمن القومي المصري، ليس فقط لموقعها الجغرافي إنما كونها تلعب دور أساسي في الضغط على إسرائيل أو إشغالها أمنياً، وهو ما يعطي مساحة من الحركة للدور المصري، فالحديث عن التخلص من حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة، يعني تسهيل مهمة إسرائيل في السيطرة على المنطقة، خاصة وأن الأخيرة تحاول جاهداً لجعل قطاع غزة عبء إضافي لمصر. لذلك يبقي السيناريو الأقرب لتعامل النظام المصري الحالي مع قطاع غزة يشبه إلي حد كبير أسلوب نظام مبارك، خاصة وأن وجود فصائل المقاومة في غزة يشكل أمر واقع بالنسبة لمصر، لكن حتى الآن تصعب قراءة التحرك المصري تجاه غزة، حتى وان كان الظاهر يتجه نحو السيناريو الأسوأ الذي يرتبط أساساً بالاحتقان الداخلي المصري، فيصعب تصور موقف مصر تجاه غزة بمعزل عن التوتر الداخلي المصري، والذي يصاحبه استخدام حماس إعلامياً كلاعب رئيسي على الساحة المصرية الداخلية، وهو ما يعطي نتائج سلبية في العلاقات المصرية مع قطاع غزة. إصرار الجيش المصري على إغلاق الأنفاق مع قطاع غزة، مرهون بالوضع الداخلي المصري، لذلك يمكن اعتباره نوعا من الاستجابة للضغط الداخلي المصري، والذي نجح الإعلام المصري في تشكيله، خلال الأشهر القليلة الماضية. الحديث عن السيناريو الأسوأ وما يتم إشاعته في الإعلام عن خطة مصرية فلسطينية إسرائيلية بمشاركة أطراف إقليمية ودولية لإنهاء حماس في غزة، أمر يصعب تصوره، فإذا كانت إسرائيل تسعي للقضاء على المقاومة بشكل كامل في غزة، لماذا سعت مؤخراً لفتح معبر بيت حانون كبديل عن معبر رفح؟ ووفقا لما جاء في وسائل الإعلام عن هذا المخطط للقضاء على حماس ووضع أطراف من فتح، مثل محمد دحلان يمكن التوقف عنده كثيراً لسببن الأول: أن حركة فتح في الضفة لن تقبل بسيطرة تيار دحلان على الوضع في غزة وهو ما يدحض هذه الشائعات، فكيف يمكن تصور تقارب عباس مع الحكومة المصرية الحالية التي يقودها العسكر، والحديث في نفس الوقت عن تنسيق مخابراتي مصري مع تيار دحلان الرافض للرئيس عباس. الثاني: بات واضحاً للجميع أن مصلحة إسرائيل في الإبقاء على الانقسام الفلسطيني، فكيف يمكن تصور جولة المفاوضات الجارية مع رام الله وفي نفس الوقت مشاركتها في إنهاء الانقسام كما تدعي تلك التسريبات الإعلامية. خلاصة القول: المساعي المصرية الأخيرة للضغط على حماس تأتي في سياق الوضع الداخلي المصري، ومحاولة مصر إثناء حماس عن أي تدخل في شأنها الداخلي، خاصة وان تخوفات التيار الانقلابي في مصر ما تزال حاضرة في ظل التوتر الداخلي مع الإخوان المسلمين. يمكن فهم زيارة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لرام الله، في إطار المساعي المصرية لتقوية حليفها الفلسطيني هناك، فتعاملها مع غزة بأسلوب الضغط والعزلة قد يكون الهدف منه منع حماس وفصائل المقاومة في غزة من تعطيل مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. Email [email protected] إياد صبري أبو جبر باحث سياسي في شؤون الشرق الأوسط