قال رئيس المكتب السياسي ل «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) خالد مشعل في حديث الى «الحياة» ان جريمة اسرائيل بالاعتداء على «اسطول الحرية» فجر اول امس ستكون «آخر حلقة تتكسر» في الحصار المفروض على قطاع غزة. ودعا «الاشقاء» في مصر الى فتح معبر رفح ك «رد طبيعي على الجريمة الاسرائيلية». وهنا نص الحديث: لنبدأ باعتداء اسرائيل على «أسطول الحرية». هل يساهم هذا في كسر الحصار على غزة؟ - اننا ننظر بكل تقدير واعتزاز إلى «أسطول الحرية» وجميع المتضامنين المشاركين فيه على تنوع جنسياتهم ومواقعهم في بلادهم. هذه خطوة شجاعة لكسر الحصار على غزة، وخطوة إنسانية مؤثرة تعلن بلغة عملية فصيحة: الحصار جريمة لا إنسانية، وقد آن له أن ينتهي. هل ترى رفع الحصار قريباً؟ - الأهداف السياسية لهذا الحصار فشلت عملياً في ظل صمود شعبنا العظيم. لذلك فالحصار إلى زوال بإذن الله، بخاصة في ظل هذا الحراك الواسع إنسانياً لكسره، وإن شاء الله يشكل «أسطول الحرية» آخر حلقة تتكسر في هذا الحصار الظالم. فإسرائيل مارست القرصنة في المياه الدولية، وارتكبت جريمة بشعة بحق المتضامنين مع «أسطول الحرية» سقط بسببها العشرات من الضحايا والجرحى. ما هي نتيجة الاتصالات التي أجريتها؟ - منذ اللحظة الأولى لهذه الجريمة الوقحة، بادرنا الى إجراء الاتصالات مع المسؤولين العرب ومع تركيا، فضلاً عن اتصالات أخرى أُجريت معنا من جانب مسؤولين آخرين من دول مختلفة. وقد سعينا عبر هذه الاتصالات إلى التركيز على ثلاثة أهداف: أولاً، اعتبار هذه الجريمة محطة فاصلة لا بد من أن ينتهي الحصار بعدها بصورة نهائية، ولا بد من فتح معبر رفح من جانب الأشقاء في مصر، فهذا هو الرد الطبيعي على الجريمة الإسرائيلية. ثانياً، إدانة السلوك الإسرائيلي المتمرد على العالم وعلى القيم الإنسانية والقانون الدولي، ومحاكمة قادة إسرائيل على جرائمها المتلاحقة. ثالثاً، دعوة الجميع إلى التضامن مع تركيا رسمياً وشعبياً، فهي التي دفعت الثمن الأكبر لهذه الجريمة، ومعظم الشهداء منها. وتركيا لها الدور الأكبر في حملة كسر الحصار عبر هذا الأسطول إلى جانب دول ومنظمات إنسانية أخرى أسهمت في الإعداد لهذه الحملة المباركة وساهمت في شراء السفن مثل الجزائر واليونان والكويت وإرلندا وماليزيا وغيرها. كيف ترى موقف الامم المتحدة؟ - بعثت الجريمة الصهيونية غضباً واسعاً لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية ومختلف شعوب العالم الحر وشكلت صدمة للضمير الإنساني، لكن مجلس الأمن - في ظل الانحياز الأميركي - كان دون الموقف ودون حجم الجريمة، مما يغري الكيان الصهيوني بمزيد من الجرائم والاستهتار بالقانون الدولي والقيم الإنسانية، وهو ما تتحمل مسؤوليته الإدارة الأميركية وكل الحكومات الداعمة لإسرائيل والمتواطئة معها. لقاء ميدفيديف كنت التقيت الرئيس الروسي في دمشق قبل اسابيع، هل كان هناك ثمن سياسي كي ترفع موسكو مستوى الحوار مع «حماس»؟ - التقينا الرئيس ميدفيديف في دمشق من دون أن ندفع ثمناً مسبقاً وانتهى اللقاء من دون أن ندفع ثمناً، لأن «حماس» لم تعتد دفع أثمان سياسية للقاءات سياسية. نقدر شجاعة الرئيس ميدفيديف، لكن نعتقد في الوقت نفسه أن اللقاء بقيادة «حماس» هو الوضع الطبيعي، لأن «حماس» لاعب أساسي في المنطقة وطرف فلسطيني أساسي. وبالنسبة الى روسيا وعلاقاتنا معها، فهي ممتدة منذ سنوات وقمنا بثلاث زيارات الى موسكو حتى الآن. لكن لا شك في أن اللقاء مع الرئيس الروسي تطور مهم ونقلة في العلاقة... وهو أمر نقدّره ونثمّنه. لكن موسكو تطلب الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية الدولية أو الاقتراب منها. هل طلب ميدفيديف الاعتراف ب «حل الدولتين»؟ - ما قدمته «حماس» حتى الآن من مواقف وبرامج سياسية يكفي كي يتعامل معها العالم باعتبارها طرفاً أساسياً في الصراع العربي - الإسرائيلي من ناحية، ويسقط أيضاً الذرائع التي تتذرع بها إسرائيل لعدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، لأن «حماس»... ماذا قدمت «حماس»؟ - لأن «حماس» حين توافق على إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس مع إنجاز حق العودة، وهو موقف نلتقي فيه بشكل عام مع مجمل القوى الفلسطينية ومع مجمل الأطراف العربية والإسلامية. هذا الموقف كاف جداً وزيادة ويجعل الكرة، حقيقة، في المرمى الإسرائيلي وليس في المرمى الفلسطيني والعربي. لذلك أقول دائماً لكل الأطراف الأجنبية التي نلتقي بها: المشكلة ليست لدينا كفلسطينيين أو كعرب ولا لدى «حماس». المشكلة هي لدى إسرائيل. بالتالي، الضغط يجب أن يتوجه إليها. ما الفرق بين حدود 1967 وحل الدولتين؟ - «حل الدولتين» يتضمن الاعتراف بإسرائيل. ونحن في «حماس» لدينا موقف واضح هو عدم الاعتراف بإسرائيل، لأن الحالة الفلسطينية تختلف عن الحالة العربية. الدول العربية حين تتحدث عن عملية السلام والتسوية، فإنها تتحدث عن استعدادها لذلك (الاعتراف بإسرائيل) بعد أن تنسحب إسرائيل من آخر شبر أو سنتيمتر مربع من أرضها المحتلة. بينما الحالة الفلسطينية مختلفة. فمجرد أن تُقدم لنا وعود من دون ضمانات، ووعود ثبت فشلها وكذبها بالانسحاب إلى حدود عام 1967 وهي تمثل عملياً خمس الأرض الفلسطينية. لا يعقل أن يطالب الفلسطينيون أنه مقابل هذا الأمر لا بد من الاعتراف (بإسرائيل). هذا ظلم للشعب الفلسطيني. نعم، نحن نعرض القبول بحدود عام 1967، لكن من دون الاعتراف بإسرائيل. قيل انك أبلغت ميدفيديف انه لو وافقت الدولة الفلسطينية العتيدة على الاعتراف بإسرائيل، فإن «حماس» ستقبل ذلك؟ - موقف «حماس» واضح. وهو عدم الاعتراف بإسرائيل، لأن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني ينتمي إلى أراضي العام 1948. ولد فيها أو ولد آباؤه أو أجداده فيها. هو ينتمي إلى هذه الأرض وليس حديث عهد بها. شُرّد منها قسراً. وبالتالي فليس من الإنصاف ولا من العدل أن تأتي أي حركة فلسطينية وتعترف (بإسرائيل). وما قلته للرئيس ميدفيديف هو أنه عندما تقوم الدولة الفلسطينية وتملك السيادة الحقيقية على أرضها تجري عند ذلك استفتاء لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج (تجاه الموقف من إسرائيل). وما تقرره الغالبية الفلسطينية عندئذ بحرية سنحترمه حتى لو خالف رأينا في «حماس» . إذاً، إذا اعترفت الدولة الفلسطينية المقامة على حدود العام 1967 بإسرائيل، فإن «حماس» لن تعارض ذلك؟ - لا، ليس هذا ما قلته. أنا أقول: حين تقوم الدولة الفلسطينية ذات السيادة الحقيقية وينتهي الاحتلال على أراضي العام 1967 ويحصل الشعب الفلسطيني على حقه في القدس والعودة وهذه الدولة تجري استفتاء للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فإن ما تقرره الغالبية الفلسطينية... حتى لو كان الاعتراف بإسرائيل؟ - أي قرار تقرره الغالبية الفلسطينية بصورة ديمقراطية حقيقية، «حماس» ستحترمه حتى لو خالف رأيها وموقفها. هذا تغيير في موقف «حماس» يضاف إلى تغييرات سابقة. كنتم في العام 1996 ضد الانتخابات ثم وافقتم عليها. كنتم في 2006 ضد تشكيل حكومة ثم وافقتم؟ - هناك تغيرات طبيعية لأي حركة سياسية. وبعض المواقف السياسية ليس مبادئ، بخاصة أن الظروف من حولنا تتغير هي أيضاً، وبالتالي من الطبيعي أن نتفاعل مع هذه التغيرات بصورة إيجابية. في العام 1996، كان تقديرنا أن المصلحة بعدم المشاركة، وبعد عشر سنوات في عام 2006 كنا في أعقاب الانتفاضة الثانية. عملياً، إسرائيل دمرت عملية أوسلو سواء بعملية «السور الواقي» واجتياح الضفة الغربية أو تدمير مؤسسات السلطة أو عدم التزامها بأي شيء وقعته مع السلطة الفلسطينية. بعدها ظهر واقع جديد وأصبح هناك تقارب بين القوى الفلسطينية حول ضرورة النضال من أجل انتزاع حقوقنا. فضلاً عن فساد السلطة الذي أرهق شعبنا. بالتالي أصبحت هناك مطالب من الشعب الفلسطيني ل «حماس» بأن يكون لها دور سياسي في إطار السلطة إلى جانب دورها في المقاومة حتى تحارب الفساد. لكل تلك الاعتبارات وجدنا أن هناك ضرورة للمشاركة في الانتخابات، بخاصة أن أحد دوافعنا الأخرى كان أن نحمي برنامج المقاومة. هل الموقف من المقاومة حالياً هو تكتيك أم مبدأ؟ - لا، المقاومة شيء آخر. طالما هناك احتلال فالمقاومة ثابت لا يتغير. لكنها لا تمارس؟ - إنها مبدأ وسياسة مستمرة. إنما كيف تدير المقاومة فهذا شيء آخر. يعني تتمسك بالمقاومة، لكن تديرها بحسب الظرف. مرة تصعّد. مرة تهدّئ. مرة تقوم بعملية تهدئة أو وقف إطلاق النار. الآن، نحن في أي مرحلة؟ - خياراتنا مفتوحة. هناك حالتان. قطاع غزة حالة، والضفة الغربية حالة أخرى. في غزة خيار المقاومة معتمد ومدعوم من جميع القوى ومن حكومة الأخ إسماعيل هنية. والمقاومة تأخذ حريتها الكاملة في التطور والتسلح على رغم إمكاناتنا المتواضعة في ظل حصار غزة. لكن بسبب الواقع الصعب ومعاناة الناس في غزة وفي ظل الدمار والخسائر التي أصابت الشعب الفلسطيني في الحرب الأخيرة، من الطبيعي لأي قيادة عاقلة أن تدير المقاومة بمنطق واقعي تراعي فيه الظرف الفلسطيني. هذا هو الأسلوب الذي نتعامل به مع المقاومة. في غزة الخيار مفتوح. ليس هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، نعم. هناك واقع فيه هدوء، لكن ليس هناك التزام بشيء. لكن «حماس» تضغط على «الجهاد» لوقف إطلاق الصواريخ؟ - لا، بل هناك على مستوى قطاع غزة توافق وحوار للتفاهم على إدارة المقاومة بين جميع الفصائل الفلسطينية. كيف؟ - على قاعدة التمسك ببرنامج المقاومة والدفاع عن شعبنا ومقاومة الاحتلال. عملياً كيف ندير قرار المقاومة؟ نديره بما يعظم نتائجه وبما يراعي ظروف الواقع الفلسطيني في قطاع غزة ويسقط الذرائع من يد إسرائيل بشن حرب على قطاع غزة. هذه مصلحة نقدّرها معاً من دون ضغوط ومن دون اتهامات لأحد، لأن لا أحد يزايد على «حماس». هي في مقدمة من يتمسك بالمقاومة. قبل حرب غزة الأخيرة، اتهمنا البعض بأننا تخلينا عن المقاومة. لكن الناس فوجئوا بأن «حماس» كانت مستعدة وجاهزة وقادت الدفاع عن القطاع، وصمدت مع بقية الفصائل الفلسطينية ومع شعبنا العظيم صموداً أسطورياً في وجه الترسانة العسكرية الإسرائيلية. صمدت ثلاثة أسابيع. الفضل لله ثم لشعبنا ثم أيضاً لوقفة الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم معنا. هناك من يقول إن إدارة «حماس» موضوع المقاومة في غزة لا يختلف عن إدارة السلطة لذلك في الضفة؟ - الوضع مختلف تماماً. المقاومة في الضفة مجرّمة وملاحقة. سلاحها ملاحق، رجالها ملاحقون. يعتقلون ويعذبون. وقادة السلطة في الضفة الغربية يقولون: لا للمقاومة، لا للعمل العسكري. حكومة هنية اعتقلت بعض من أطلق صواريخ من غزة؟ - لا. لم يُعتقل احد من كوادر الفصائل الأخرى على خلفية إطلاق صواريخ. ولم يُعتقل أحد على خلفية نضالية. دولة على حدود 1967 الآن، برنامج «حماس» يتضمن قبول دولة على حدود العام 1967؟ - لقد وقعت الحركة على وثائق فلسطينية تتضمن هذا... مثل وثيقة الوفاق الوطني للعام 2006. هذا جديد أيضاً؟ - نعم جديد، لكن أصل الفكرة طرحها الشيخ الشهيد أحمد ياسين منذ بداية التسعينات. طرح الشيخ ياسين موضوع حدود 1967. بمعنى أن «حماس»، من حيث الثوابت والمبادئ الأساسية واضحة وملتزمة ومتمسكة بها، بخاصة ما يتعلق بالحقوق الوطنية والمقاومة. إنما «حماس» تتطور في ما يتعلق بالسياسات والمواقف السياسية ولكن في إطار الثوابت الوطنية الأساسية للشعب الفلسطيني. إذاً، هناك ثلاثة تطورات في الموقف السياسي للحركة: قبول دولة في حدود 1967، هدنة طويلة الأمد، عدم عرقلة مبادرة السلام العربية؟ - صحيح. مثلاً، موضوع المبادرة العربية. من البداية قلنا: نحن لدينا تحفظ واعتراض أساسي على بعض الأمور في المبادرة أهمها موضوع الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها. لكن قلنا: على رغم هذا الموقف نحن لن نعوق الحراك العربي ولسنا عقبة في طريقه لأننا لا نريد أن نخلق أزمة بيننا وبين العرب. يعني هذا جزءاً من تقدير الموقف السياسي الحكيم والناضج من دون أن نتخلى عن المبادئ والثوابت. الصراع الحقيقي بيننا وبين العدو الصهيوني وليس بيننا وبين العرب، حتى لو اختلفنا في مساحات من المواقف السياسية فلسطينياً أو عربياً. وبالفعل، ثبت بعد ثماني سنوات من إطلاق المبادرة في قمة بيروت 2002 أن الذي دمر المبادرة العربية وقتلها في مهدها وما زال يتجاهلها هي إسرائيل، أي أن المشكلة ليست عندنا وإنما عند العدو. براغماتية «حماس» خلقت فراغاً فظهرت خلايا متطرفة. هل هناك خلايا ل «القاعدة» في غزة؟ - لا. هناك بعض الأفكار المتشددة، لكن لا وجود ل «لقاعدة». ظهرت سياسات وتصرفات من مسؤولين في حكومة اسماعيل هنية تشير وكأن الحركة تريد تأسيس إمارة إسلامية؟ - هذا جزء من الاتهام ل «حماس» والتحريض عليها وتحميلها مسؤولية عدم المصالحة. هذا ليس صحيحاً. أولوية «حماس» تحرير الوطن واستعادة الحقوق والتخلص من الاحتلال وانجاز المشروع الوطني مع بقية الفصائل الفلسطينية. أما نظام الحكم فهذا خطوة لاحقة تأتي بعد التحرير، وبما تقبل به الغالبية الفلسطينية. فنحن احتكمنا الى اللعبة الديموقراطية في نظام الانتخاب ونحتكم أيضاً إلى اللعبة الديموقراطية وإلى رأي شعبنا في ما يختاره لنظام حكمه بعد التحرير. هناك تصرفات سلفية في غزة؟ - نحن لا نُكره الناس على شيء. والحكومة في غزة لا تُكره الناس على التزام ديني معين. والحرية مفتوحة لعامة الناس في أفكارهم وآرائهم. إنما ككل حكومات الدنيا هناك ضوابط عامة للمجتمع تتعلق بالأخلاق والمسلكيات. هذا موجود في الدول الدينية والدول العلمانية على حد سواء. يعني هناك قواعد عامة ضابطة لسلوك المجتمع تفعلها الحكومات في شكل عام. لكن ليس على قاعدة أننا نُنشئ إمارة إسلامية أو نفرض قناعاتنا على الناس. نحن لا نفعل ذلك. الأمر الثاني، ليس هناك عاقل في الدنيا يعتبر أن «حماس» تريد أن تنفرد بغزة وتعتبر غزة إمارتها. غزة جزء من الوطن. ليست شيئاً منفصلاً عن بقية فلسطين. الشعب الفلسطيني في غزة هو جزء من الشعب الفلسطيني، لذلك نحن مصرون على المصالحة الفلسطينية حتى تكون غزة والضفة لحمة واحدة باعتبار أن أهلنا في القطاع والضفة جزء عزيز من الشعب الفلسطيني. إنما الحقيقة أن هناك من الآخرين ربما من ارتاح لهذا الانقسام بين غزة والضفة. من المقصود: إسرائيل؟ أطراف فلسطينية؟ - طبعاً، بالتأكيد إسرائيل لها مصلحة. ولكن أخشى أن هناك أطرافاً فلسطينية وعربية ربما تقول في نفسها: فلتبق غزة هكذا معزولة ونحاصرها إلى أن يتم إخضاعها. ونتفرغ الآن لعمل تسوية سياسية في الضفة الغربية. قبل الحديث عن المصالحة، هل وعدك الرئيس ميدفيديف بنقل مضمون لقائه بك إلى الرئيس باراك أوباما؟ - كنت واضحاً معه. شكرته على موقفه من اللقاء. قلت له إن أطرافاً دولية وأوروبية عدة تلتقي معنا. بعضها بالسر وبعضها بالعلن، وبعضها بطرق غير مباشرة، وأن الأميركيين أنفسهم يتصلون بنا، ولكن في صورة غير مباشرة. فضحك الرئيس الروسي، وقال: أنا لا أفعل هذا سراً وإنما أفعله في شكل واضح، وسأطلع الأميركيين على مضمونه حتى يعرفوا حقيقة موقف «حماس». هل «حماس» مستعدة للحوار مع الإدارة الأميركية؟ - نحن مستعدون للحوار المباشر مع كل الدول عدا إسرائيل، ولكن من دون شروط مسبقة، وذلك لنقوم بواجب الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وكسب التأييد الدولي لها. هل هناك جديد من خلال الاتصالات مع الأوروبيين؟ - ليس هناك تغيير جوهري، لكن بدأنا نلمس أمرين: الأول، أن حصار غزة بدأ يفقد مبرراته السياسية وأصبح عبئاً أخلاقياً على المجتمع الدولي. الثاني، أن شروط «الرباعية» وإن كانوا ما زالوا يطالبوننا بها، ربما باتوا يدركون أنها قيد عليهم أكثر مما هي قيد علينا. لكنهم تحدثوا عن شروط مخففة لمبادئ «الرباعية»؟ - بعضهم تحدث عن صياغات مخففة. واعتبروا ان ذلك قد يساعدنا في تلبية شروط «الرباعية»، لكن بلغة مخففة يمكن أن نهضمها. فكان ردنا الواضح: لا، قاطعة. كيف؟ - مبدأ الشروط المسبقة مرفوض لدينا. من غير المعقول لمجرد أن تحاورني أن تضع علي شروطاً. معنى هذا أنه ينتقص من إنسانيتي، وأنني لست نداً له وكأن هناك طبقية وهناك درجات بين البشر واستهانة بالآخر. ونحن لا نقبل ذلك. كرامتنا الإنسانية والوطنية تأبى علينا أن نخضع لشروط مسبقة لمجرد أن يحاورنا الآخر مهما كانت مكانة هذا الآخر. الحوار من حيث المبدأ ينبغي أن يتم من دون شروط. لكن أين تأتي الشروط؟ عندما يريد أي طرفين أن يتفقا. عندها هذا الطرف يضع شروطه ومطالبه والآخر يضع شروطه ومطالبه. وما يتفقان عليه يكون قاعدة الاتفاق. المصالحة ما هي العقبات أمام انجاز المصالحة الفلسطينية؟ - هناك أربع عقبات. أولاً، «فيتو» اميركي أبلغه (المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج) ميتشل للمصريين ولرئاسة السلطة من أنه لا مصالحة مع «حماس» إلا إذا خضعت لشروط «الرباعية»، وإلا ستقطع المساعدات عن السلطة. ثانياً، لم تعد المصالحة اليوم مطروحة أصلاً على الطاولة لأن أولوية الإدارة الأميركية الحالية هي استئناف المفاوضات التقريبية أو غير المباشرة. وربما يعتقد الأميركيون أن المفاوض الفلسطيني من دون مصالحة أفضل لهم وسيكون أضعف ويسهل الاستفراد به وتطويعه بخاصة في ظل تشدد الطرف الإسرائيلي بقيادة نتانياهو. العقبة الثالثة، بصراحة، هي الإصرار المصري على عدم التعامل مع تعديلات وملاحظات «حماس» الجوهرية والمنطقية القائمة على أساس مطابقة ورقة المصالحة مع ما اتفقنا عليه في جولات الحوار، بحيث تتضمن ورقة المصالحة نصوصاً كانت موجودة في مسودات الحوار، بخاصة ما يتعلق بالشراكة في القرار الأساسي عبر الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى حين إعادة بنائها، والشراكة في القرار الأمني من خلال اللجنة الأمنية العليا، والشراكة في الإشراف على الانتخابات المقبلة. هذه مسائل جوهرية، ونعتقد أن الموقف المصري الرافض لها غير مبرر وغير مقبول. أما العقبة الرابعة، فهي موقف الإخوة في السلطة وحركة «فتح» في الضفة، حيث يبدو كأنما ارتاحوا للموقف المصري وارتاحوا ل «فيتو» اميركا ولإعطاء الأولوية لاستئناف المفاوضات. بالتالي، هم لا يفعلون ما هو مطلوب منهم لإنجاز المصالحة. فمثلاً لو توافقنا نحن وإياهم وبقية القوى ثم نقول لمصر والعرب: نحن متوافقون على جملة القضايا الأساسية للمصالحة، وبالتالي دعونا نتصالح على هذه القاعدة بقبول مصر وقبول عربي عام، عندها لن يكون هناك مبرر لأي رفض أو فيتو من أحد. هل تقول إن هناك ارتياحاً للانقسام لدى الرئيس محمود عباس والسلطة و «فتح»؟ - أقول إنهم، كما يبدو، مرتاحون للوضع الراهن. وكأنهم يراهنون على أن مواصلة الضغوط على «حماس» قد تجبرها على التراجع، بدلاً من الذهاب معها إلى مصالحة حقيقية قائمة على شراكة حقيقية في مختلف القضايا الأساسية. لكن أنت قلت ان إسرائيل مستفيدة من الانقسام والمتضرر هو الشعب الفلسطيني. لماذا لا تقدمون أقصى المرونة لتحقيق الوحدة الفلسطينية؟ - أمر طبيعي أنه من أجل المصلحة الوطنية والوحدة الفلسطينية لا بد من تقديم مرونة وتنازلات في الشأن الداخلي. وقد قدمت «حماس» الكثير من التنازلات والمرونة من أجل تقريب المواقف والوصول إلى إمكانية للمصالحة، لكن أن يتم إحداث تغييرات في ورقة المصالحة في آخر لحظة بما يخالف ما تفاهمنا عليه في جولات الحوار السابقة، ثم تطالب «حماس» بأن تخضع لذلك، فهذا لا يدخل في إطار المرونة المطلوبة من «حماس»، بل يدخل في إطار محاولة قهر «حماس» وإخضاعها لمصالحة مجحفة وغير حقيقية. لماذا لا تذهبون إلى انتخابات جديدة والشارع يقرر؟ - مستعدون لذلك، لكن لا بد من المصالحة أولاً حتى تنشأ في ظلها ظروف طبيعية على الأرض بعد هذا الانقسام المرير، بحيث تسمح بإجراء انتخابات حقيقية تتكافأ فيها الفرص، مع ضمانة نزاهة هذه الانتخابات. وما لم يتم تعديل ورقة المصالحة بحيث تعكس ما تفاهمنا عليه طوال جولات الحوار، فإننا سنذهب عملياً إلى مصالحة شكلية. لأنه ما معنى أن تسمي هذا مصالحة من دون مشاركة في القرار السياسي وفي القرار الأمني والإشراف على الانتخابات؟ ماذا سيبقى من المصالحة؟ هذا يلقي علامات استفهام كبيرة حول نيات الطرف الآخر من مصالحة كهذه. إذا كانت المصالحة هي كلمة السر لإقصاء «حماس» عن السلطة ب «العافية» و «يا دار ما دخلك شر»، كما يقال شعبياً، فلا داعي أن نسميها مصالحة. لتكن الأجندة واضحة ويعبّر عن ذلك بوضوح: «حماس» مرفوضة، وعليها الاختيار بين أحد أمرين: إما أن تخضع لشروط «الرباعية» وللبرنامج ذاته الذي يتبناه السيد محمود عباس إذا أرادت المشاركة في القرار السياسي، أو أن تخرج من اللعبة السياسية بالكامل. فليسمّوا الأشياء بأسمائها الحقيقية، لكن لا يقولون هذه مصالحة. إذاً هو صراع على السلطة وليس خلافاً على كلمات؟ لو وقعت الورقة بعد إجراء التعديلات، هل ينتهي الأمر؟ - نحن لا نصارع أحداً على السلطة، فالذي جاء بنا هو شعبنا عبر صناديق الاقتراع. إنما الآخرون هم الذين يحاولون إقصاءنا بعد أن انقلبوا على نتائج الانتخابات. ولا شك في أن لدينا تجربة مريرة تثير الكثير من الشكوك. فأياً كانت الصياغات، هناك بالنهاية أجندة واضحة لدى الطرف الآخر هي محاولة إقصاء «حماس». الدليل انه منذ مجيء «حماس» بالانتخاب في العام 2006، حوصرت وعوقب الشعب، وعملوا على عزلها وقطع الأموال عنها. ثم شنت الحرب علينا من جانب إسرائيل. كل ذلك أكّد لدينا الشكوك بأن أجندتهم لم تتغير. لكن مع ذلك ومن أجل مصلحة شعبنا ولقناعتنا بأهمية المصالحة وضرورتها، أصررنا على الدخول ببرنامج المصالحة. على رغم ما يكتنف ذلك من مخاوف وشكوك من طرفنا بنيات وسلوك الطرف الآخر. هل جميع أعضاء قيادة الحركة يوافقون على ذلك؟ كانت هناك تصريحات مختلفة لمحمود الزهار؟ - نحن لدينا تنوع في الآراء والقناعات داخل الحركة، لكن موقف الحركة في النهاية واحد. وهناك أطراف تحاول اللعب على قصة الداخل والخارج، وقصة متساهل ومتشدد، لعبة قديمة واسطوانة مشروخة. البعض اشتغل عليها منذ عشرين عاماً وعاد بخفّي حنين، لأن قوة «حماس» كحركة وكمؤسسة قيادية راسخة أكبر بكثير مما يتصورها الآخرون. هل هناك جديد في صفقة تبادل الأسرى مع شاليت؟ - لا جديد إلى الآن لعاملين: الأول، هو أن نتانياهو عملياً رجع خطوة إلى الوراء بعد الخلاف في حكومته المصغرة، حيث تراجع عن العرض قبل الأخير الذي قدمه لنا من طريق الوسيط الألماني. بالتالي، يتحمل نتانياهو وحكومته المسؤولية عن فشل صفقة التبادل. أما العامل الثاني، فهو تدخل الإدارة الأميركية للضغط على نتانياهو حتى لا يبرم صفقة التبادل حين كانت في مرحلة متقدمة، خشية أن يؤدي ذلك إلى إضعاف محمود عباس وتقوية «حماس». هل لا يزال تشكيل جبهة لقوى الممانعة مطروحاً؟ هل هي بديل من منظمة التحرير الفلسطينية؟ - إن إيجاد قيادة لقوى المقاومة أمر مطروح، وهو ما زال قيد البحث والتداول. لكن ذلك ليس بديلاً من منظمة التحرير. نحن لا نريد التنازع على موضوع المرجعية الفلسطينية، لأن ذلك سيزيد الساحة الفلسطينية انقساماً. الوضع الطبيعي هو إعادة بناء منظمة التحرير ودخول الجميع فيها لتكون مرجعية الشعب الفلسطيني جميعاً. لكن الطرف الآخر ما زال يرفض ذلك على رغم اتفاقاتنا السابقة المتكررة حول هذا الموضوع منذ 2005 (اتفاق القاهرة). من هنا وإلى حين حصول ذلك نسعى لتطوير صيغة العمل بين قوى المقاومة، بما يعزز برنامج المقاومة، ويعيد الاعتبار لحق العودة ولدور الشتات الفلسطيني للمشاركة في القرار والنضال الوطني الفلسطيني. كيف تقوِّم جبهة الممانعة التي تضم سورية وإيران و «حزب الله» و «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية؟ هل هي متماسكة؟ - ليست متماسكة فحسب، بل تزداد تماسكاً وتزداد قوة بفضل الله. ويزداد موقعها السياسي على المستوى الإقليمي والدولي ويتقدم. واستطاعت أن تصنع، لا أقول ميزان قوى متوازناً مع إسرائيل، لأن إسرائيل لا تزال متفوقة عسكرياً في ظل الدعم اللامحدود من الإدارة الأميركية والدول الغربية. لكنها استطاعت أن تصنع واقعاً يجعل إسرائيل غير قادرة على حسم او كسب معاركها مع هذه الأطراف.