ها نحن أمام مفارقة، أفغانستان تهرول تجاه آخر الدول الشيوعية بعد أن خاضت أكثر الحروب تأثيراً في العصر الحديث ضد هذه الأيديولوجيا، بل إن رئيسها المنتخب حديثاً أشرف غني جعل زيارته الثانية خارج بلاده إليها إلى هذه الدولة وهي الصين. فالرئيس غني الذي اعتلى السلطة في بلاده يرغب في أن ينأى بها عن صراع النفوذ بين باكستانوالهند. وأفغانستان التي ستشهد خلال الشهر المقبل بداية تقليص القوات الأميركية إلى أن يرحل آخر جندي أميركي في 2016، تخشى أن يُلقي هذا الانسحاب بظلاله على البلاد اقتصادياً وعسكرياً وهي التي تشهد حالة عدم استقرار مزمنة. أدرك الرئيس الأفغاني وهو القادم من خلفية اقتصادية بحتة، الثقل التجاري لجيرانه في الشرق، فجعلهم في قمة أولوياته وكانت زيارته إلى الصين، التي يبدو أنه أراد من خلالها أن يوجه عدة رسائل إلى نيودلهي وإسلام آباد، أولها أن أفغانستان تأبى أن تكون ساحة لأي صراع أو لتصفية الحسابات بين الغريمين، وهو بتلك الزيارة يرمي بثقله وهو مطمئن إلى بلد قادر على حمله ولن يعاني من تبعات التعاون معه. الأمر الثاني أن أفغانستان ترى أن الصين ربما تسهم بشكل مثمر في الاقتصاد الأفغاني المتهالك، نظراً للخبرة التي اكتسبتها من خلال مشاريعها التنموية في أفريقيا، على رغم التهم التي تحاول الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة إلصاقها بها من خلال تسمية التواجد الصيني في أفريقيا بالاستعمار. ثالثاً أراد الرئيس غني أن يُظهر البعد الإستراتيجي لبلاده في أمن الصين عبر قدرته في عقد تحالف أمني على الشريط الحدودي بين البلدين، حيث تخشى الصين نشوء بؤرة لعمليات الانفصاليين والمتطرفين الصينيين من جهة والقاعدة من جهة أخرى، في منطقة شينغيانغ عبر ممر «واخان».لكن كيف سيبدو الموقف الأميركي تجاه هذه التحركات؟ الولاياتالمتحدة ترى في أفغانستان رأس حربة في وجه ألد أعدائها روسياوالصين، ولن تتخذ وضعية المتفرج وهي ترى الصين تحاول الوصول إلى مياه الخليج لتكسر الطوق الذي تحاول أميركا فرضه عليها في الباسيفيك، فأفغانستان على الحدود مباشرة مع إيران المطلة على الخليج العربي حيث أكبر آبار النفط في العالم، إضافة إلى أن أفغانستان نفسها تعد أغنى مناطق العالم بالمعادن؛ إذ قدرت مراكز جيولوجية ما تحويه الأراضي الأفغانية بتريليون دولار من الذهب والنحاس والحديد ومعادن أخرى. وهذا سيجعل واشنطن تدفع بالهند لتخوض نيابة عنها حرب نفوذ لتقليل أو تقليص تنامي الوجود الصيني في أفغانستان. وما يعزز ذلك لدى الهند يقينها بتميز العلاقات الصينية – الباكستانية، على رغم أن الأخيرة ترى أن تحرك بكين يهدد نفوذها في حديقتها الخلفية ويقلص من دورها في آسيا. لا شك في أن الصين تعرف كيف تتعامل مع هذا الاستحقاق، وتدرك الفرصة المتاحة لها من أجل مد نفوذها براً، خصوصاً أن طموحاتها بإحياء طريق الحرير الذي يحمل رمزية ثقافية وسياسية للصين لن يكون في متناول اليد، وأن عليها مواجهة التحديات، وبالتالي فإنها ملزمة بالتعامل بمرونة أكبر مع تعقيدات الأوضاع السياسية الأفغانية، والانخراط بإيجابية وتأثير في الملفات المهمة للشعب الأفغاني المتطلع للحياة.