يبدو أن أفغانستان تتجه لتصبح ساحة لصراع نفوذ جديد. وهذه المرة يبدو الأمر مختلفاً فلطالما كانت الصراعات التي شهدتها الأراضي الأفغانية ذات طابع أيديولوجي. من الحرب السوفيتية إلى الحرب ضد الإرهاب. أما الآن فنحن أمام صراع " نفوذ " بين عملاقين من " قوى المستقبل" لا يملكان عقلية استعمارية وهما الصين والهند. واشنطن تدعم نيودلهي لقطع الطريق على بكين ولجم طموحات إسلام آباد الولاياتالمتحدة صاحبة إرث تريد منحه لحليفها الاستراتيجي في نيودلهي. بعد سنوات طويلة من الحروب تبدو أفغانستان مثقلة بتحديات جِسام لا يمكن أن تحملها أي دولة مهما كانت إمكانياتها. من جهة أخرى الصين الصديق "غير المفضل" لواشنطن يبحث عن التوسع الاقتصادي "المشروع" عبر أفغانستان كما يقوم به هناك في الأراضي الإفريقية حيث يسبب ذلك الصداع للعم سام. هل يؤدي التنافس إلى إضعاف مجموعة «البريكس»؟ الولاياتالمتحدة و إعطاء دور للهند في أفغانستان واشنطن المغادرة أرض الأفغان مع خسارة 1600 جندي أميركي وعشرات المليارات من الدولارات. تريد بعد انسحابها تحقيق ثلاثة أمور: الإبقاء على المكتسبات التي حققتها ومنها ما يتعلق بالتنظيم الأمني على سبيل المثال ما يختص بالتدريب الذي ستستمر به الولاياتالمتحدة للجنود الأفغان وبذلك تحافظ على شكل من أشكال التواجد المهم بالنسبة لها على المدى الاستراتيجي. ثانياً: ترغب واشنطن بإحلال الهند كبديل لها توجيه رسالة إلى باكستان التي يبدو أن الولاياتالمتحدة لا ترى فيها صديقاً يمكن الوثوق به في محاربة الإرهاب، بل إن ليون بانيتا وزير الدفاع الأميركي يرى أن أراضي باكستان تمثل ملاذا آمنا للإرهابيين ، وبالتالي فإن وجود الهند على الأراضي الأفغانية هو مصدر قلق لنظام إسلام آباد الذي يرى في ذلك إعطاء نفوذ لنيودلهي في "الحديقة الخلفية" لباكستان حيث الامتداد القبلي والجغرافي الطبيعي الامر الذي يمنح إسلام آباد عمقاً استراتيجياً، سينتفي بتنفيذ الخطة الأميركية، ثالثاً: تتجه الولاياتالمتحدة لتطويق الصين عن طريق نقل 60 % من الأسطول الأميركي للمحيط الهادئ حيث الشواطئ الشرقيةوالجنوبشرقية للصين، أما في الجنوب فتتموضع الهند الحليف الهام للولايات المتحدة، لكن الأخيرة تدرك أنها لن تستطيع الوثوق بنظام كابول إن هي اعتمدت عليه لكبح الصين التي تربطها مع أفغانستان حدود طبيعية (غرباً ) لذا أرادت الولاياتالمتحدة بخطواتها منح نيودلهي نفوذاً في أفغانستان ومد نفوذ الهند في الأراضي الأفغانية والتضييق على باكستان ولجم طموحها في التًقوّي والتأثير على الساحة الأفغانية ، وقطع الطريق على الصين. الحضور الصيني على الأراضي الأفغانية ليس الموقع الجيوسياسي وحده هو ما يثير الصين من اجل التواجد كقوة فاعلة في أفغانستان. فهنالك عدة أسباب وراء هذا الاهتمام، ولعل أبرزها هو النفط الذي قدرت قيمته مصادر جيولوجية أميركية بنحو مليار دولار أميركي ، فبكين المتعطشة للنفط تأمل في استغلال الحقول النفطية المجاورة لها على الأراضي الأفغانية وهي بالفعل تقوم بذلك منذ سنوات، فقد ضخت شركة النفط الوطنية الصينية خلال شهر أبريل الماضي ما معدله 5000 برميل يومياً من الخام ، كما أنها تتنافس مع الأميركيين للحصول على عقد آخر ينتظر أن يعلن عنه في أكتوبر المقبل. إضافة إلى ذلك ترغب الصين في الدخول في مجال التعدين حيث تأمل في التوسع في هذا المجال بعد أن حصلت على عقد للتعدين في منجم "أيناك" للنحاس الذي ينتج 11 مليون طن. حيث تخبىء الأراضي الأفغانية ما قيمته تريليون دولار من الذهب والنحاس والحديد ومعادن أخرى. الأمر الذي يذكي من حدة الصراع على الأرض الافغانية بين " قوى الطاقة " سواء الصينية أو الهندية أو الاميركية التي تأمل شركاتها في الحصول على نصيب من الكعكة الافغانية بعد ان قطعت الشركات الصينية الطريق عليها. السبب الآخر وراء اهتمام الصين هو أن بكين تنظر إلى أفغانستان كنافذة لها نحو منطقة الشرق الأوسط حيث منابع الطاقة في الخليج. بالرغم من حدودها مع كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، إلا أن تلك المنطقة هي في الحقيقة ساحة صراع أخرى بين الهند والصين بذات الخلفيات الاميركية السابقة، وهي أن واشنطن ترغب في منح الهند نفوذا في آسيا الوسطى وعزل الصين. لكن افغانستان تبدو مفضلة لنظام بكين أكثر من بقية الجيران لوجود عاملين الأول أن ارض الأفغان ما زالت (خاماً) على الصعيد الاقتصادي كما أنها تبحث عن هوية سياسية، كما ان ليس لها أي خلفيات او تاريخ سيىء مع الافغان حتى في أشد الايام قسوة وهي أيام طالبان بل إنها ساندت أفغانستان تاريخياً عندما عارضت الغزو الروسي على أفغانستان، وبذلك تبدو الأرضية مهيأة للصين من اجل الولوج في الأسواق الأفغانية والهيمنة دون مضايقات وبكل ارتياح شعبي ورسمي ، العامل الثاني حضور باكستان الصديق المفضل للصين في هذه المنطقة في المشهد الشعبي الافغاني ، وبكين هنا مستفيدة من حالة العداء بين إسلام آباد ونيودلهي ، وكذلك تزعزع الثقة بين باكستانوالولاياتالمتحدة، وبالتالي يمكن الاستفادة من النفوذ الباكستاني في أفغانستان لمصلحة الصين ، وهو الامر الذي يمنح بكين اليد العليا في المنطقة. لكن في نفس الوقت يبدو الامر لا يخلو من مخاطر، فالأمر بالنسبة لبكين كالمشي على الحبل فأي توتر أفغاني – باكستاني، سوف ينعكس سلباً وإن لم يكن بشكل مباشر على المصالح الصينية في افغانستان، لذا يمكن ان تلعب الصين دوراً سياسياً هاماً في العلاقات الافغانية – الباكستانية من اجل الحفاظ على مصالحها. السبب الثالث هو حماس الصين لإنعاش " طريق الحرير " المضاد لمشروع " طريق الحرير الجديد" (الأميركي) الذي يهدف لربط أسواق جنوب ووسط آسيا مع أفغانستان. الصينيون يذكرون أن تاريخ هذا الطريق يشكل أساساً في عصر أسرة هان الصينية في القرن الأول عن طريق أفغانستان وأوزبكستان وإيران غرباً، والطريق الآخر مر بباكستانوكابول حتى رأس الخليج إلى إيران وروما. والتاريخ مرة أخرى يعيد نفسه هنا بعد مئات السنين، وبذلك تكون أفغانستان أرضاً تتقاطع فيها الطرق والمصالح مجازاً وحقيقة ملموسة. الموقف الباكستاني من التحركات تجاه أفغانستان لا يمكن لباكستان الحؤول دون اتخاذ الهند دوراً في أفغانستان بل تعول على الصين في تقويض أي نية لنيودلهي في كسب النفوذ على الأراضي الأفغانية. ويؤيد ذلك الباحث في الشؤون الصينية أندرو سمول من مؤسسة جيرمان مارشال الاميركية الذي يشير إلى أن "باكستان تأمل أن تأخذ الصين دور الشريك الاقتصادي الرئيس لأفغانستان من اجل الحد من الوجود الهندي". لكن وفي المقابل تظل باكستان جاراً غير محبب لدى الرئيس كرزاي وبالتالي فهي لا تحظى بالقبول السياسي، لكن وبسبب التقارب القبلي بين البلدين وأحياناً التوجه الديني العَقدي يحظى الباكستانيون بنفوذٍ على المستوى الشعبي في أفغانستان، الأمر الذي يشكل مأزقاً للهند التي لن تستطيع تنفيذ مشاريعها في أفغانستان، إلا في حال قيامه بمشاريع تمس الأفغان بشكل مباشر وهو ما سيؤهلها للقبول الشعبي ومن ثم الاستثمار في باقي القطاعات. وهو ما تعهدت به الهند فعلاً عندما أعلنت في وقت سابق تقديم ملياري دولار "مساعدات" إلى أفغانستان. وتفتقد إسلام آباد إلى القبول حتى على مستوى الولاياتالمتحدة وبالتالي فموقفها صعب للغاية وتدرك أنها تفقد تأثيرها في الساحة الأفغانية وخصوصاً مع انشغالها في أوضاعها الداخلية. ولن يكون بمقدورها العودة إلا إذا أثبتت قدرتها بأن تصبح شريكاً يعتمد عليه في إحقاق السلام في أفغانستان. تأثير التنافس على العلاقات الصينية الهندية بالرغم من الخلاف الحدودي بين البلدين والذي أدى في وقت سابق إلى نشوب الحرب الصينية- الهندية، إلا أن العلاقات عادت بشكل تدريجي ومن ثم انطلق البلدان في خطوات واسعة في مجال التنمية عجلت بالتقارب بينهما، لكن ومع دخول الولاياتالمتحدة مرحلة التفضيل بينهما، يبدو أن الصين لن ترضى أن تكون لقمة سائغة وهي ترى أمامها كيف تدلل واشنطن نيودلهي، بإشراكها في مناطق آسيا الوسطى، التي ترى بكين أنها أحق بفعل العامل الجغرافي والعرقي. فالصين لن ترضى أن يحاصرها حلفاء واشنطن براً وبحراً ، بل ستدفع بكل الحلول، وإن كانت الحلول العسكرية ليست من تقاليد السياسة الصينية، على الرغم من ان مراكز بحوث هندية قد تحدثت عن "اجتياح صيني عسكري محدود للهند" الامر الذي نفاه رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ واعتبره الصينيون تأليبا للرأي العام الهندي ضدهم. وستسعى بكين في إطار حلولها لفك الطوق مد اقتصادياتها من خلال التأثير السياسي على الأنظمة هناك في جمهوريات آسيا الوسطى، وفي هذه الجزئية لن تكون إشكالية الصينيين مع الهنود بل مع الأميركيين الذين يفوق نفوذهم قوتهم في آسيا الوسطى نفوذ نيودلهي، وبالتالي فإن بكين ستواجه الهند والولاياتالمتحدة من اجل إزاحتهم من هذه المنطقة. إن تأثير الصراع الهندي - الصيني لن تكون حدوده بين هاتين الدولتين فقط بل أبعد من ذلك، وأقوى تأثير هو الذي سيطال مجموعة "البريكس" وهو تحالف يضم الدول الأكثر نمواً في العالم وهي (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، الأمر الذي ينذر بضعف سيلحق بهذه المنظمة، التي تهدف إلى إلغاء القطب الواحد (الأميركي) في القيادة العالمية. ولما لا يكون أحد أهداف الولاياتالمتحدة الإستراتيجية من إقحام الهند في هذه المنطقة هو إضعاف المنظمة والقضاء عليها بعد خلق نزاع بين العملاقين، وبذلك تخلصت واشنطن من قوتين تهددان الهيمنة الأميركية على العالم بضربة واحدة.