من أعظم وأجلّ النعم التي تعيشها المملكة بفضل الله عز وجل، نعمة الأمن والاستقرار ووحدة الصف، في أشد الأوقات العصيبة التي تمرّ بها الأمة الإسلامية، ودول المنطقة، وما تعانيه من تفكك وانهيار أمن ونظام وشدة فوضى، سُفكت الدماء، وأزهقت الأرواح، وانتهكت الأعراض، وضاعت الحقوق. ولا يخفى على أي أحد ما تواجهه المملكة من حرب شرسة وعداوات ظاهرة ومستترة من عدة أعداء متربصين، يستهدفون عقيدتها ودينها، وأمنها واستقرارها، وما حباها الله من خيرات وثروات. هذه العداوات ليست وليدة اليوم، وليست أساليبها وأسلحتها محصورة في جانب واحد، بل تنوعت بين محاولة زرع الفتنة وشق الصف داخل المجتمع السعودي، وبين استغلال معتنقي الأفكار الضالة التكفيرية، والموتورين الحاقدين من بعض المنتسبين للوطن، أو من خلال حرب المخدرات الشرسة، أو استهداف دين المجتمع السعودي وعقيدته، أو محاولات ضرب العلاقة الوطيدة بين الراعي والرعية.. الخ تلك المحاولات والأسلحة القذرة. لقد شرق َ أعداء المملكة بما تعيشه من أمن واستقرار، وتلاحم بين القيادة والمواطنين، ونغصّ عليهم ما أثبتته الأحداث والتجارب، وما تكشف عنه كل محاولة لضرب هذا الأمن والتلاحم، من صلابة وقوة وتماسك داخل الصف السعودي، قيادة وشعباً. دعوا للمظاهرات والعصيان فزاد الولاء وبرزت مظاهر الحب، وفي ذات الوقت الذي كانوا يطمحون إلى خروج مسيرات المظاهرات من المواطنين إلى الشوارع، فجعهم أن المواطنين خرجوا بالآلاف في مسيرات لاستقبال قائدهم خادم الحرمين الشريفين "أيده الله" حين كان قادماً من سفر العلاج من الخارج. وها هو المشهد يتكرر اليوم حين سعى مريدو الفتنة إلى إيقاد نار الطائفية بين المواطنين، وفعلوا فعلتهم الإجرامية القذرة بالاعتداء على الأبرياء، ارتدت سهامهم في نحورهم، وأراهم الله ما يكرهون، ووقع نقيض ما يقصدون، بأن كانت هذه الحادثة شرارة أوقدت اللحمة الوطنية، وأبانت قوة الوعي لدى المواطنين، وكانت باعثاً حثيثاً لإعادة النظر في ما قد يكون واقعاً من قصور أو خلل هنا أو هناك، رغم مرارة فقد الوطن لبعض أبنائه المخلصين من مواطنين ورجال أمن رحمهم الله جميعاً. وإن لي مع هذه الحادثة وقفات أعتقد أهمية التأكيد عليها وهي: أولاً : تؤكد الحوادث المتكررة والتجارب مع الإرهاب، أن فكر التطرف وعمل الإرهاب لا دين له، وأنه كما يوجد الإرهاب في كل الأديان فإنه يوجد أيضاً داخل طوائف الإسلام المختلفة ومنها السنة أو الشيعة، فيجب أن يكون الموقف من الإرهاب واحداً، والتعامل معه متماثلاً، فلا نخلط الأوراق، ولا نكيل بمكيالين. وكما هبّ الوطن كله بكل أطيافه إلى استنكار حادثة الأحساء الإجرامية، فيجب ألا يكون المقياس مختلفاً في أحداث العوامية التي ذهب ضحيتها أيضاً الكثير من رجال أمن الوطن المدافعين عن حياضه رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء، وأنه كما اتفقنا على رفض إرهاب المتطرفين السنة الذين اعتدوا على الأبرياء الشيعة في الأحساء، فيجب أن نرفض أيضاً أفعال المتطرفين الشيعة المعتدين على رجال أمننا في العوامية سواء بسواء. ثانياً: أنه يجب التعامل بحزم وقوة ودون أي تعاطف مع مثيري الفتنة الطائفية، والمحرضين عليها، والساعين إلى التفرقة بين المواطنين وتحريض طائفة على أخرى، وأنه يجب فوراً وقف كل وسائل الشحن الطائفي وتكفير أي طائفة لأخرى، فالوطن للجميع ونحن شركاء على هذه الأرض منذ مئات السنين، ولا يمكن أن يستقيم لنا حال أو يستتب لنا أمن في ظل هذا الخطاب الطائفي المحرض، ولا يمكن أن ننعم بالتعايش والسكينة والمحبة والتعاون ونحن نسمع هنا وهناك من يشتم ويكفّر ويحرّض أحداً على أحد، سواء فيما بين السنة والشيعة، أو حتى داخل أهل السنة من تلاعب بعض المنتسبين للعلم أو الدعوة بأحكام تكفير المسلمين وتبديعهم وتفسيقهم، فتارة نرى أحكاماً بالردة على كاتب أو مثقف، وتارة نرى من يدعو لسفك دم هذا أو ذاك، من الممارسات الخطيرة التي يختص بها القضاء الشرعي وولي الأمر فقط، وعند وجود ما يقتضي ذلك من أفعال . وكل تهاون واجتراء عليها من أي أحد دون مسوغ شرعي، يعتبر افتئاتاً على الله ورسوله، وعلى ولي الأمر. ثالثاً : يجب أن يقوم القادة والعلماء والمثقفون في عالمنا العربي بدورهم المفترض من تجنيب المجتمعات ويلات الانقسام، ومن الفصل التام بين المصالح والصراعات السياسية، وبين القضايا الدينية الشرعية، فلا يجوز أبداً أن تستخدم قضايا الدين لخدمة المصالح السياسية، ولنعلم أن أهل السنة ظلوا مئات السنين متعايشين بسلم وسلام مع طائفة الشيعة في بلدان كثيرة دون أن يكدر صفو ذلك أي مكدر، حتى تحركت الصراعات السياسية فاستخدمت الخطاب الطائفي لخدمة مصالحها فخسر الناس أمنهم وسلامهم. رابعاً: إن قيادة المملكة وسياستها، بل ومما هو متقرر عند كل دولة ذات سيادة واستقلال، رفض وتجريم أي ممارسات لمواطني الدولة بالاستقواء بأي دولة خارجية، أو الولاء لها على حساب الوطن، فهذا ضرب من ضروب الخيانة العظيمة، وناقض من نواقض الوطنية الحقيقية، وهو مرفوض أياً كان مذهب من يمارسه، سنة أو شيعة. فكما أن الدولة تعاملت بحزم ودون هوادة مع بعض من ظهر اتصالهم بجهات خارجية أو تواصلهم مع دول أخرى ضد مصالح دولتهم، وهم من أهل السنة، والدول التي تواصلوا معها من دول المنطقة ذات المذهب السني، فكذلك الحال مع من يرتكب ذات الفعل من الطائفة الشيعية، بالاستقواء أو الولاء لدولة أخرى ضد دولته. وجميع العقلاء سواء من السنة أو الشيعة، يدركون تماماً أن مثل هذا الفعل لا يجرّ على فاعله إلا شراً، وأنه لا يمكن أن تكون دولة أرحم به، ولا أحن ّ عليه من دولته، لكنهم يقعون ضحايا تلك الدول، التي تستخدمهم ورقاً للعب بهم، وتنفيذ أجندتهم الإفسادية ضد وطنهم، فيخسرون كل شيء دون مقابل، ويجلبون على أهلهم ومواطنيهم الفتنة والسوء. أسأل الله سبحانه أن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا، وتلاحمنا مع ولاة أمرنا، وأن يرد كيد أعدائنا في نحورهم، ويهتك سترهم، ويمكّن رجال أمننا منهم، وأن يحفظ رجال أمن الوطن من كل سوء ويجزيهم عنا أحسن الجزاء على جهادهم وصبرهم وتضحياتهم آمين. والحمد لله أولاً وآخراً . * القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً لمراسلة الكاتب: [email protected]