ذكرنا في حلقة سابقة قصة انطلاقة الدبلوماسي الهولندي مارسيل (البدوي الاخير) أواخر الثمانينيات الميلادية من الحي الدبلوماسي بالرياض على ظهر سيارته (حمرة) لتتبع تاريخ بعض قبائل الجزيرة وتحقيق بعض القصص وملاحمهم الشعرية حيث التقاهم في هجرهم ومضاربهم وانغمس في حياتهم وحفظ أشعارهم ونازلهم في مجالسهم بلغتهم كما لو كان أحدهم ولما كان مقتنعا بأن الشعر نشاط يومي يمارسه الاغلبية نظما أو تذوقا وأن قوة الكلمة المنطوقة في الجزيرة العربية أقوى حضورا من الكلمة المكتوبة حتى وهي تستخدم حسب قناعته أحيانا بطرق هدامة أراد أن يتجهز بحفظ شيء من نوادر الشعر لشعراء اعلام حتى تكون وسيلة الاتصال وهمزة الوصل بينه وبين مجالس أصدقائه الجدد في الصحراء يقول مارسيل: تمرنت غاديا عائدا على الابيات التي كان القصد منها كسب احترام البدو, بطعم شعري أعددته لهم, للحظة التي انزل فيها من كثيبي الرملي (في نفود السر) كانت القصيدة من نظم رضا بن طارف الشمري, وهو شاعر ما زال يتنقل بقطعانه عبر الحدود السعودية – العراقية ويعتبر من أعظم الخبراء في التاريخ التقليدي لقبيلة شمر. وكان من لا يحفظ الشعر لإلقائه في المجالس لا قيمة له في الجزيرة العربية. وبهذه القصيدة أستطيع أن أرى رجال قبيلتي (عتيبة) و(الدواسر). أني لست مبتدئا في عالم القبائل. عدا ذلك كانت القصيدة منسجمة انسجاما تاما مع مزاجي. لم يكن بمقدوري أن أتخيل تمثيلا أشد وقعا لمشاعري حين انطلقت خارج الحي الدبلوماسي في الرياض والأغنية التي أنشدتها وراء مقود (حمرة) (القصيدة تتحدث عن الفراق والغدر وجفوة الديار التي يقصد فيها منازل البدو) يقول فيها شاعرها: يا ضاق بالي قلت دنوا ذلولي حطوا عليها كورها والقراميش حطوا عليها كورها وارخصوا لي نبي نمضي وقتنا بالمطاريش حنا نوينا وانتوينا نحولي من فوق قطاع الفرج بالمغابيش من فوق نقالة ثقيل الحمولي حرش المواطي مبعدات المناطيش قب الضلوع مسهلات الخلولي يشدن رطين اللي عليهم طرابيش يا شانت الديرة لغيره تجولي تجويل صيدٍ يصطفق مع نشانيش دارٍ جفت سكانها بالمحولي مصالحه صارت علينا تناويش واخانة الدنيا غدا به نزولي هست منازل مبعدين المناطيش اللي نهار الكون مثل الزمولي ربع على الموت المصفى مداهيش يادار وش نوحك علينا زعولي تلحينا لحة ركاب الحواشيش يادار فرقتي شتات النزولي أهل الرباع مدلهين القناطيش عافوا من الوجلة قراح الشمولي ومن له جناح ينهض وطار بالريش مرحانهم قامت عليها تضولي تحاجل الغربان مثل القرافيش واخلاف ذا ياللي تجيبون قولي من فوق عيرات تذب المعاطيش بعد هذا المدخل يصل الشاعر إلى موضوعي الحقيقي: حب بدوي في صيف الجزيرة العربية اللاهب, حين تذوي خضرة الربيع ويتعذر السرح في الصحراء مع القطيع بسبب الحرارة. يضرب البدو خيامهم حول الابار في أرض قبيلتهم. وفي إحدى مدن الخيم هذه تلقى رضا طارف إشارة من مطلقة جذابة بأنها ترغب في مشاركته حياته إلى جانب زوجته الاولى. لذلك قرر رضا أن يرسل صديقا له يتوثق من مقاصدها. ولكن رسول الحب هذا خان الثقة وقدم نفسه بوصفه الخطيب, مدعيا أن رضا ليس راغبا. وهكذا كادت الامور تنتهي بمأساة قبل أن تتضح الحقيقة. رضا أودع قصيدته رسالة إلى حبيبته يطري فيها قدها الشهي حين تمر شارحا حقيقة الموقف ومنددا بوسيطه الغادر. وبرغم ما توحي به القصيدة فإن القصائد لم تعد في الواقع تسلم بأيدي سعاة الابل. ولكن بصرف النظر عن الطريقة التي تصل بها القصائد إلى عناوينها, فإنها تنقل شفاها كالرسالة المسلسلة. ومع أن أحدا لا يذكر بالاسم فإن الجمهور سرعان ما يعرف من كان الشاعر يقصد.. وما ذا كان يقصد. انتهى حديث مارسيل الذي كان قد تجهز بقصة وقصيدة معروفة ظهر بها مؤلفها أمد الله في عمره في عدة لقاءات ولها بقية جميلة نذكر منها: يا اهل الركاب ركابكم واقهروا لي يا منتوين لدار زاه النقاريش لا جيتوا اللي يعجبه شوف زولي اللي تفتش بسرة القلب تفتيش وش عاد لو تأخذ ثلاثين حولي ما نساه كود البدو تنسى المطاريش والا ( الرعيلة ) عن محله تزولي ويغز له بجبال سلمى شوابيش اللي شعتني واستقيت الغلولي خده من الموت الحمر به نقاريش إلى أن قال: أرسلت للي بالمحبة صفولي غير السلام من أريش العين ما بيش مرسالي اللي مثل جرد السمولي جيته يجدع في طريقي حنافيش ما جاب من ناب الردايف وصولي غاد البخت ضيق علينا المناطيش يارب لا ترزق خطاة البطولي اللي على المسلم يدور بخاشيش واللي زعجته يمهم ترجمولي وجانا الخبر من غير جيش ومطاريش قالوا تحذر وانتبه لا تقولي ما من وراء عظم الهليمة عراميش رضا طارف الشمري