شغف الشعراء من قديم الزمان بالخيل وبمكانتها القيمة، وذلك لما تمثله من رمز للقوة والشجاعة، لذا تغنوا بها ونظموا أنواع الشعر وأجمل القصائد في وصفها ووصف قوتها وعدوها وجمالها، فهي (عز للرجال وهيبة) كما يقول الكثير، وتعتبر رأس مال كبير يهتمون بها ويعدونها إعدادا جيداً ليوم يحتسبونه لحماية أنفسهم و قبيلتهم، فمحبتها شملت الجميع ولم تكن لأحد دون احد كما ان موتها ولوعة فراقها تؤثر في الجميع أيضا فنجد هناك من يرثيها من الفرسان والأمراء والملوك، معبرين عما يجول في أنفسهم من الحزن والأسى، فعلى الرغم من ان الرثاء من موضوعات الشعر العربي و من أبرزها لأنه أصدقها وأكثرها تعبيرا عن المشاعر الإنسانية فهو ندب الميت، وإظهار التفجع لوفاته ويصدر عن عاطفة الحزن والحرقة لفقده، فقد أكد الشعراء هذه الجزئية، فكلما كان الفقيد شديد الصلة بالشاعر،كانت العاطفة أصدق وأقوى وهذا ما كان واضحا لدى العديد من الشعراء عند فقدهم لخيلهم التي يحبونها، إلا أن هذه القصائد لدى الشعراء والفرسان قد تكون حزينة الى حد كبير، فقد يهيمن الحزن والأسى لفراقها لذا نجدهم إذا مات حصان أحدهم يرثيه بحرقة وكأنه فقد إنسانا عزيزا على قلبه. ومن الفرسان والشعراء الذين رثوا خيلهم رثاء يعبر عن صدق المشاعر والعواطف ويعبر عن ما الم بهم من حزن وألم وحسرة انعكست على أشعارهم: الملك المجاهد علي الرسولي : وهو السلطان الخامس الذي حكم اليمن من سلالة الرسولي، كان شاعراً وعالماً ومحباً للعلم و العلماء، فقد أحب السلطان المجاهد علي الرسولي الخيل إلى حد العشق، و قد أفرَدَ كتاباً للحديث عنها وعن كل ما يتعلق بها فقد شمل كل ما يتصل بأمور الخيل والفروسية، وهو كتاب «الخيل و صفاتها و أنواعها و بيطرتها» ولذلك فهو يصف الخيل في شعره وصف محب مولع بها، كما فعل في أرجوزته في وصف فرسه «المسك»، فقد نفق فرساه «المسك» و«الصقر» في ليلة واحدة في ساعة واحدة، وهي جياد أصيلة نسيبة في العتق فرثاهما بقصيدة حزينة يتحسر فيها، ويأسف على فراقهما، فيقول: أأكْتُمُ وجْدِي وهو لا يَتَكَتَّمُ وأخْفِي من النَّاس ِ الأسَى وهو مُعْلَمُ وأبْكِي وما كان البُكاءَ يفيدُنِي ولو سَالَ من دَمْعِي على وَجْنَتِي دَمُ فحُزْنِي على المِسْكِ الكريم مُعَظمُ وحُزنِي على الصّقر المُكَرم أعْظمُ إذا ما رأيتُ الخيلَ تُكْرَمُ هاجَ لي بذِكْرهمَا دَمْعٌ على الخَدَّ يسجمُ فيا صَقْرُ مَنْ في الخيل مثلكَ أصْفَرُ ويا مِسْكٌ مَنْ في الخيل مثلكَ أدْهَمُ سأبكِيكُمَا ما دامَ في الجَفْن أدْمُعٌ لِما كُنْتُ من تلكَ المَحَاسِن ِ أعْلمُ ولدينا في الشعر الشعبي في الجزيرة العربية العديد من الأمثلة و القصائد المعبرة للعديد من الفرسان الذين رثوا جيادهم وحزنوا لفقدها وأصبحت قصائدهم مثالا جميلا لعلاقة الفارس العربي بجواده ومحبته بشكل يصل الى الرثاء. يقول الفارس الشيخ راكان بن حلثين في رثاء فرسه: الكبد قاليها من الحزن قالي وقلب الخطا كنّه على واهج الكير على جواد مثل ضبي الرمال مثل العنود اللي تربّ الدعاثير البدو يا خالد نوو بالمحالي وانا هوا بالي قعد بالجوافير ويقول الفارس ساجر الرفدي في رثاء فرسه: وامهرتي وانا عليها شفاوي وان قيل يا هل الخيل تطري عليه يقول الشاعر مطلق الجبعاء في رثاء فرسه: لوا حسايف سابقي ياهل الخيل يا زينها لاجت تباري المطية وهذا الفارس الشيخ ناصر الشغار عندما فقد فرسه أنشد متأثرا: انا بلايه سابقٍ حسفتني ولا عندنا من دبرت الرب حيله اليوم هذا حولها يوم جتني يا عنك ما قامت ليالي طويله وهذا فرحان الدهمشي يرثي فرسه في قصيدة حزينة ويقول فيها: يا سابقي ما ساعفتها بالاوفاق تقنطرت يوم حرفت الخباره وجدي عليها ساعةٍ قبل خناق ولا الرجل بين الغناء والعزازه حسين بن حريش يرثي فرسه قائلا: وا سابقي صفرا عليها الحسايف سودا صوامع ينشد الشيخ عنها تشدي لصفرا من عل الرجم سايف شيهانة ما ينقر الطير منها يقول الشاعر فيحان بن زريبان في رثاء فرسه: لا واحسايف سابقي يا بهيشان رديتها والجيش غادي حطيبه رديتها لمنجي الحرد ضيدان ماني باللي بالضيق ينسا صحيبه يقول الشاعر نافع بن فضيلة من قصيدة طويلة في رثاء فرسه عندما وصله خبر وفاتها: خط لفاني ضيق الصدر يا سعود تذكر جوادي فدوة لك عن الباس حليا الغزال اللي من القفر مطرود يا زينها وان لبسوهن الالباس وهنا قول الشاعر محمد بن بداي الرشيدي في وفاة فرسه وهو يرثيها وكأنها احد ابنائه: البدو شدو ينتوون المحادير وانا ثمر قلبي قعد بالمراحي وسابقي وان شرعوا بالمغاتير وان طالعوا طياحهن من بياحي .