"الحياة ليست سوى مجموعة قصصية"، عبارة مكتوبة على الغلاف الأخير لمجموعة الكاتب عبدالله المفلح القصصية الأولى "هيلة، سعاد حسني الأخرى". لا أدري إن كانت العبارة للناشر أم للكاتب نفسه، ولكنها تنجح في تقديم هذه المجموعة القصصية باعتبارها صيغة أخرى من صيغ الحياة كما يراها المفلح. ولعل أول ما يلفت النظر في المجموعة قصصها القصيرة أكثر من المعتاد في عالم القصص القصيرة العربية تحديدا. ومن قرأ للمفلح روايته الأولى والوحيدة والصادرة قبل هذه المجموعة وهي رواية "حكاية وهابية" لا بد له أن يقارن بين النفس الطويل الذي كتبه فيه الكاتب الموهوب جدا روايته مع النفس القصير بل المتقطع الذي كتبه فيه قصصه القصيرة. وربما لا يصدق القارئ لأول وهلة أن مؤلف الرواية هو نفسه مؤلف القصص لاختلاف الاسلوب بطريقة انقلابية فقد اعتمد في الرواية على الاسهاب في الوصف والاضطراد في السرد بطريقة مبالغ فيها أحيانا، أما في قصصه القصيرة فقد بدا نزقا في جمله القصيرة وعباراته المبتورة وقصصه التي خرجت من نمطية القصة القصيرة التقليدية. طبعا هناك فرق بين كتابة القصة القصيرة والرواية عموما لكن ليس هذا تحديدا ما أشير أليه وأنا أرصد ذلك الفرق الشاسع في الأسلوب الكتابي لعبدالله المفلح بين روايته "حكاية وهابية" ، ومجموعته القصصية "هيلة سعاد حسني الأخرى". في حكاية وهابية يغرق الكاتب في تفاصيل واقع حي ومعاش وساخن بكل معطياته، لكنه في "هيلة" يخلق عالمه بنفسه من خلال فانتازيا يحاول من خلالها الإشارة الى متناقضات المجتمع الذي يعيش فيه مع راهنها ومع الآخر أيضا. وينجح عبدالله المفلح كثيرا في لعبة الفانتازيا فتتحول بين يديه الى واقع يومي مستمد من أخبار الصحف وحكايات الناس في الشوارع والبيوت المغلقة على سكانها. وفي كل قصة من قصص هذه المجموعة تكمن حكاية مدهشة يختلط فيها الواقع بالخيال حتى ليبدو الخيال واقعا والواقع خيالا من خلال كاتب ماهر يعرف كيف يتلقط موضوعات حكاياته من زوايا مهملة وهامشية بذكاء شديد وقدرة هائلة على القص وفقا لتقنيات الامتاع المتعددة. في قصة "الحفرة" مثلا، وهي إحدى أجمل قصص المجموعة يشكو جميع أهل القرية من حفرة قاتلة في قريتهم لم يستجب المسؤولون لمطلباتهم الملحة بردمها خاصة وأنها كانت هي السبب وراء معظم مشكلاتهم في القرية. ونكتشف في النهاية أن هذه الحفرة التي جعلنا الكاتب نتلمس أنفسنا خوفا من الوقوع فيها ونحن نسير بمحاذاة حافتها غير موجودة. إنه العجز الساكن في الوجدان الجمعي لأهالي هذه القرية والذي صوره المفلح بشكل فانتازي من دون أن يفقده واقعيته. ورغم أن أكثر قضايا المفلح في هذه المجموعة تنبع من المجتمع السعودي الا أنها بصيغتها العامة يمكن أن نسقطها على مجتمعات أخرى بكل سهولة متجاوزين محليتها المركزة بشدة في بعض القصص. تتميز مجموعة المفلح بقصر قصصها أولاً في عالم لم يعد قراؤه يفضلون المطولات وبالموضوعات التي تتناولها، وهي تتنوع بين السياسي والديني والاجتماعي في لغة التفافية ورشيقة تلامس المحرَّمات من دون أن تجعل من نفسها محرَّمة! أهدى المفلح مجموعته القصصية الصادرة عن المركز الثقافي العربي إلى: "أم الدهشة والطيبة، التي علمتني مذ كنت في كنفها حتى أودعتها كفنها، أن الحياة تغدو أجمل حين نحكي، ونبني عوالم من صنع خيالنا، أكثر صدقا من واقعنا، وبهذا الجمال وحده نقاوم العادية والرتابة والبؤس." ، ولعله بهذا الاهداء الشفيف يلمح لأجواء المجموعة كلها الغارقة في الشجن وعتمة الحزن أيضا. وفي القصة التي تحمل المجموعة عنوانها يختتم المفلح قصصه. احتوت مجموعة «هيلة، سعاد حسني الأخرى» على 22 قصة قصيرة تسرع الكاتب في إنهاء بعضها قليلا، وكانت تحتاج منه لقليل من التروي وإعادة النظر والمراجعة.. مع إيماني بأن الكاتب لا يمكنه أن يراجع أي نص إبدعي يكتبه بشكل نهائي. وبقصة انتحار فتاة تدعى هيلة نستدعي من خلالها صورة الفنانة الراحلة سعاد حسني عبر مقارنة شكلانية ووجودية أيضا فيخلط علينا الأمر ولا نعود نعرف إن كان الكلام عن هيلة بصورتها سعاد حسني أم عن سعاد حسني بصورتها هيلة!