هل الموتى هم من يموتون مرة واحدة بخروج الأرواح من أجسادهم أم أن ثمة آخرين يموتون مرات عدة بسبب الحياة في المدن التي يقيمون فيها؟ وهل يمكن ايقاظ هؤلاء؟ وكيف؟ هذه الأسئلة تطرحها مجموعة «ايقاظ الموتى» القصصية للكاتب السعودي منصور العتيق (الدار العربية للعلوم - ناشرون). على أن الموتى الذين يحاول الكاتب ايقاظهم ليسوا من النوع الأول الذين يموتون مرة واحدة بخروج الأرواح من أجسادهم، بل هم أولئك الذين يموتون مرات في المدينة، وهو يفعل ذلك بالكتابة القصصية. يُصدِّر العتيق مجموعته بالقول: «انصرفت إذاً لكتابة سير هؤلاء الأكثر موتاً من غيرهم من سكان مدينتنا. مدينتنا قبر قديم ومهمل، يغطيه الغبار والحكايات القديمة والفتاوى» (ص8). هكذا يوهمنا بأنه سيكتب حكايات الفقراء والبؤساء والمتألمين من سكان القاع المديني. غير أن الدخول في القصص سرعان ما يبدد هذا الوهم، فالموتى الذين يوقظهم الكاتب هم ممن يقعون تحت تأثير واقع معين أو يعيشون الوحدة والمرض النفسي والرتابة والتكرار والتهميش وتشابه الأيام. ومنصور العتيق لا يكتب حكايات هؤلاء بتقنيات واقعية توقظهم من «موتهم» المجازي بل بتقنيات غرائبية يتوخى فيها الغرابة والفانتازيا والأسطورة ما يجعل عملية «الايقاظ» المجازي أيضاً مسألة فيها نظر، ولعله بهذه التقنيات يميتهم من جديد بتحويلهم الى شخصيات غرائبية. في الشكل، تطرح المجموعة اشكاليات تتعلق بالنوع الأدبي على مستويي النظرية والتطبيق؛ فعلى المستوى الأول، يحمل الغلاف مصطلح «قصص» ويطلق الكاتب على نصوصه في التصدير مصطلحي «يوميات» و «سير».. وعلى المستوى الثاني، فإن محتوى المجموعة يتنوع بين القصة القصيرة المستوفية الشروط، والأقصوصة، واليوميات، والشذرات. على أن الكاتب وزع هذا المحتوى المتنوع على قسمين اثنين جعل لكل منهما عنواناً فرعياً. فتحت عنوان «ورق جدران» أدرج تسع قصص قصيرة يتراوح عنوان الواحدة منها بين الكلمة الواحدة والجملة التقريرية أو الاستفهامية، وتحت عنوان «أشياء بخلاف الحديث عن الطقس، تصلح لبدء محادثة!» أدرج ثمانية عشر نصاً تتفاوت في المساحة والقصصية. في المضمون، تشكل غرابة العنوان مفتاحاً مناسباً للقصص المختلفة؛ ففي قصة «البيت» يُوقف التواطؤ الموقت الغريب بين الشمس والشرطة، بهدف القضاء على الارهاب، انتظام الحياة حتى اذا ما زال، تعود الحياة الى انتظامها. بينما يُبقي التواطؤ بين الادارة والحالات الخاصة الحياة على انتظامها في قصة «الرجل الذي تخونه الأبواب». فالمدير العام يسمع كل يوم المعزوفة ذاتها من الموظف المصاب بالشيزوفرينيا وفقدان الذاكرة الموقت، ولا يتخذ أي اجراء بحقه ويُبقيه في الوظيفة. واذا كان التواطؤ في القصة الأولى سلبياًّ ومخالفاً لطبيعة الأشياء، فإنه في الثانية ايجابي يحصل بدافع انساني. يحضر الواقع ببعده الديني في المجموعة من خلال إلغاء الآخر المختلف، أو قيام الآخر بالتشكيك فيها والاحتجاج عليها. في قصة «فارس أحلام الفزاعات» يستشعر الشيخ بسام خطر تنامي شعبية مقرن الشاعر الشعبي على سلطته، فيهدد أهل القرية في معاملاتهم ما لم يمتنعوا عن دعوة الشاعر واستقباله، ما أدى الى انتشار الفزاعات. يربط الكاتب انتشار الفزاعات بسلطة الشيخ كما يربط زوالها بحضور الشاعر. على أن هذا الواقع نفسه يبدو موضع تشكيك في قصة «وقائع مختصرة لسجود طويل»، فالسارد الذي يسير في رحلة صحراوية باتجاه أماكن معينة لا يستطيع التخلص من آثار بول الصحراء على سحنته بينما تخلص منها الآخرون وعاد كل منهم راضياً مرضياً، ما يحتمل تعريضاً ببعض الممارسات وتشكيكاً بها. ويحضر الواقع ببعده الخارجي، الاستعماري أو السياحي، في بعض قصص المجموعة، ففي قصة «هل يوجد شيء اسمه رمل؟» يؤسطر الكاتب عملية اكتشاف النفط واستخراجه، فيبيّن اهتمام العالم بما تحت الأرض وإنكاره ما فوقها. وفي قصة «عندما صوّرني السياح باعتباري قطعة أثرية!» يماهي بين السارد وأشياء المتحف وتذكاراته. أمّا البعد الاجتماعي للواقع، فيحضر من خلال قصة «الحياة بوجه مستعار» التي تفكك الأقنعة والوجوه المستعارة، وتعتبر أن الوجه الحقيقي هو وجه الطفولة وما تبقّى وجوه مستعارة تعكس تكرار الحياة ورتابتها، فيما تقول قصة «ما هي درجة الحرارة اللازمة لتبخّر الأصدقاء؟» خروج الأصدقاء تباعاً من حياة السارد بخروجهم الغرائبي من صورة التخرّج، وهي تفعل ذلك من خلال ثلاث عشرة يومية متعاقبة تتمحور حول حياة صاحبها ويعكس كل منها جانباً من هذه الحياة، ويربط بينها سلك قصٍّ رفيع. ان القصص الآنفة تندرج ضمن القسم الأول من المجموعة، وهي أقرب الى شروط القصة القصيرة من نصوص القسم الثاني، وتعتمد على المخيلة أكثر من اعتمادها على الذاكرة ما يترجمه الكاتب استخداماً لتقنيات الغرابة والفانتازيا والأسطورة. على انه يمكن الاشارة الى وظيفتين اثنتين على الأقل لهذه التقنيات في المجموعة؛ فهي قد تستخدم في اطار تقيَّة فنية تجنُّباً لتسمية الأمور بأسمائها وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج، وقد تستخدم في اطار لعبة فنية مجانية عبثية كما في قصة «ما هي درجة الحرارة اللازمة لتبخّر الأصدقاء؟».