بعد استيلاء عناصر داعش والثوار والمسلحين على مدن الموصل وتكريت ونينوى في العراق ، يرى كثير من المراقبين، أن هذه الأحداث بمثابة افتتاح مرحلة جديدة من التحولات التي سيشهدها العراق ، وربما تنعكس على جواره العربي والإقليمي . لقد كانت البداية منذ دخول تنظيم داعش على خط أحداث الثورة السورية واحتلاله لمدينة الرقة المتاخمة للحدود العراقية مما يسمح له بالتمركز والتحرك على جانبي الحدود. وكما شهد أكثر من مصدر؛ فإن ما تم من سقوط كل من : الموصل ونينوى، وتكريت، لم يكن فقط لقوة داعش أو غيرها من التنظيمات، وإنما كان في الأساس نتيجة لضيق سكان المناطق السنية في العراق من سياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، وإدارته الطائفية لأزمة العراق على مدى 8 سنوات، وممارساته غير المسؤولة حيال المكونات العراقية الأخرى من غير الشيعة. بالإضافة إلى عدم تلبيته لمطالبهم التي اعتصموا من أجلها لشهور طويلة. يدرك الجميع أن أزمة العراق وانجرافها إلى حرب أهلية بين طوائف العراق ستجر العراق إلى نفق جديد، ما لم تكن هناك إرادة قوية من الدول العربية، والمجتمع الدولي على تجنيب العراق مثل هذا المصير عبر مختلف الحلول السياسية الممكنة. كما يدرك الجميع أن تنظيم داعش أو أي تنظيم آخر ينتهج الحل العسكري لتسوية القضايا السياسية إنما يسير في مسار عقيم جربه كثير من القوى دون جدوى . فالعنف لن يجلب السلم، وما لم تكن هناك تسويات سياسية فإن الأزمات ستنفجر عبر العنف وستتمدد إلى أطراف أخرى . كذلك يعرف الجميع أن إيران أصبحت اليوم هي سيدة الموقف في العراق وهي التي تملي أوامرها على سياسات المالكي وإدارته الفاشلة، بطريقة تتوخى فيها أمنها ومصالحها قبل أي مصلحة أخرى؛ وإذا ما عرف الجميع أيضا أن الولاياتالمتحدة هي التي تسببت في هذه الأحوال العراقية التي لا تسر العرب؛ فإن من المهم جدا أن تكون هذه الأحداث الأخيرة في العراق، والتي أفضت إلى استيلاء تنظيم داعش والمسلحين وثوار المنطقة السنية على تلك المدن، بمثابة ناقوس الخطر الذي له انعكاساته على دول المنطقة العربية. فإذا ما تفكك العراق، بفعل الحرب الأهلية الطاحنة فإن انعكاسات وآثار تلك الحرب ستضع الدول العربية أمام وضع عراقي مأزوم . ولعل في جلسة مجلس الوزراء العرب التي انعقدت بمدينة جدة مؤخرا لبحث تداعيات الأوضاع في العراق، مايعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح.لا يمكن للفوضى أن تجلب استقرارا، ولا يمكن للحرب أن تجلب السلم وفي كل الأزمات والحروب ، كان السبيل الوحيد للخروج منها هي التسويات السياسية، والاتفاقات البينية للقوى المتصارعة. لقد أدركت السعودية خطورة تنظيم داعش والكوارث التي جلبتها الفئة الضالة على أمنها قبل سنوات، فكان لقراراتها وإجراءاتها الصارمة حيال من ينتمون إلى هذا التنظيم أو غيره، أو من يخرجون للقتال في سورية وغيرها بمثابة خطوات احترازية وسباقة إلى قطع الطريق عليهم. وعلى الكثير من الدول المجاورة للعراق أن تتأمل في سياسات السعودية وحكمتها حيال التنظيمات المتشددة لأن دعم هذه التنظيمات الإرهابية والتنسيق معها كما فعلت وتفعل إيران باعتراف داعش هو مثل التعامل مع الأفاعي والعقارب، ولن يؤدي إلا إلى الخراب والدمار. وفي ضوء هذا التداعيات الخطيرة ربما كان الحل يكمن أولا في تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية لمواجهة الفوضى، ثم في عقد مؤتمر حول العراق من أجل مساعدته للخروج من أزماته، تدعى إليه: دول الجوار العراقي وبعض القوى الدولية. بالإضافة إلى اتفاق المرجعيات الدينية العراقية سنة وشيعة ودعوتها لجميع أتباعها إلى نبذ العنف، وعقد لقاءات حوار بين تلك المرجعيات لتهدئة الاحتقان الطائفي، والإجماع على الوطنية الجامعة بوصفهم عراقيين وأبناء وطن واحد .