لم يكن الطبيب الأرجنتيني دييغو شوارزستاين يعلم بأن الطفل الذي يعالجه من مشاكل في النمو سيصبح يوماً من الأيام أحد أساطير كرة القدم وأنه سيكون سبباً في إشباع متعة عشاق المستديرة، اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي يُدين بالفضل الكبير لهذا الطبيب كونه ساعده على التخلص من مشاكل النمو التي كان يعاني منها في صغره والتي كادت أن تتسبب في عدم إكماله حياته الرياضية عندما كان يلعب في نيولز الأرجنتيني، تكاليف العلاج أرهقت والد ميسي الذي تحدث إلى مسؤولي النادي للتكفل بعلاجه إلا أنهم لم يفعلوا ذلك واكتفوا بأشهر عدة ساهموا في علاجه خلالها. اليوم وبعد أن أصبح ميسي النجم الأول في بلاده سيدخل في تحد جديد مع نفسه لصناعة إنجاز للمنتخب الأرجنتيني يتمثل في تتويجه بكأس العالم فالحمل على الأرجنتيني الموهوب ثقيلاً لأن الجميع زج به في مقارنة مع مواطنه الأسطورة مارادونا لذلك عليه أن يجلب للأرجنتينيين كأس العالم مثلما فعل الأخير. ميسي الذي ولد عام 1987م في روساريو الأرجنتينية فعل كل شي في ميادين وملاعب كرة القدم، نال البطولات بمختلف مسمياتها مع برشلونة الأسباني، وتوج ذلك بإنجازات وأرقام شخصية أبرزها نيله جائزة أفضل لاعب في العالم أربع مرات متتالية، إلا أنه لم يفلح في تحقيق أي إنجاز للمنتخب الأرجنتيني الأول وهو ما أعطى بعض منتقديه مساحة واسعة لانتقاده والتقليل من موهبته، هو لاعب ساحر وموهوب ولا يختلف اثنان حول ذلك والجماهير الرياضية تدرك ذلك لكنها ترى بأنه اليوم بات مطالباً بالمساهمة في إسعاد الأرجنتينيين بإنجاز ككأس العالم، والرد على من يجزم بأنه لا يستطيع أن يتنفس وينجز بعيداً عن الأسبانيين تشافي وأنييستا. نيولز وريفربليت الأرجنتينيان خسرا موهبة "ميسي"، فالأول أعرض عن التكفل بعلاجه إبان لعبه في صفوفه وهو لم يتجاوز العاشرة، أما فريق العاصمة فلم يقدر موهبة ميسي الذي ذهب لمقره بقدميه بسبب رفض المسؤولين شراء بطاقته من نيولز والدخول معهم في مزايدات مالية. عائلة ميسي قررت التوجه لأوروبا بعد أن عرض عليها ذلك أحد كشافي برشلونة في الأرجنتين، تردد مسؤولو برشلونة لكنهم وافقوا على ضمه وتسجيله بعد أن شاهدوا موهبته بل إنهم تكفلوا بعلاجه من نقص هرمونات النمو الذي كان يعاني منه وكان ذلك في عام 2000م، بدأت قصة ميسي الحقيقية مع برشلونة إذ لعب في أول ثلاثة أعوام مع الفريق الرديف 30 مباراة سجل خلالها 37 هدفاً، المستويات التي قدمها مع الرديف جعلته ينضم للفريق الأول وكانت أول مشاركة له في 17 نوفمبر 2013م أمام بورتو ودياً، المدرب الهولندي ريكارد منح ميسي فرصة العمر عندما أشركه في الدوري الأسباني امام اسبانيول (2004م) وعمره لم يتجاوز ال 17 عاماً، وسجل في ذلك الموسم أول أهدافه مع برشلونة في الدوري الأسباني كأصغر لاعب يسجل في تاريخ الليغا وفعل ذلك أمام الباسيتي، وتوج بلقب الدوري الأسباني لأول مرة مع الفريق الكتالوني. في موسم 2005-2006م بات ميسي ورقة أساسية إلى جانب الساحر البرازيلي رونالدينهو في برشلونة إذ لعب 17 مباراة دورية سجل خلالها ستة أهداف، وشارك لأول مرة في دوري أبطال أوروبا أمام أودينيزي الإيطالي ولعب ست مباريات أوروبية سجل فيها هدفاً يتيماً، ميسي نال في ذلك الموسم (لم يكمله وانتهى في مباراة إياب الدور نصف النهائي أمام تشيلسي بسبب إصابته بتمزق في الساق) مع برشلونة بطولتي الدوري الأسباني ودوري أبطال أوروبا. ليونيل ميسي الذي قال عنه مدرب أرسنال الفرنسي فينجر بعد أن هز شباكه برباعية: "إنه لاعب "بلايستيشن" وبإمكانه الاستفادة من جميع الأخطاء، ميسي لاعب شاب وبإمكانه تحقيق العديد من الأشياء، لا أعرف الكثير من اللاعبين الذين تمكنوا من تسجيل هدف كهدفه الأول في أرسنال الذي أرى بأن الوصول إليه مستحيلاً، لكن بالنسبة له كل شيء ممكن" دخل قلوب أنصار برشلونة عندما سجل (هاتريك) في شباك غريمهم التقليدي ريال مدريد وحدث ذلك في موسم 2006-2007م وهو الذي لعب خلاله 26 مباراة سجل فيه 14 هدفاً وتعرض خلاله لكسر في مشط القدم أبعده عن الملاعب ثلاثة أشهر. ميسي فرض اسمه على عشاق كرة القدم من خلال موهبته التي بدأت في لفت الأنظار، بات "ميسي" يشكل كابوساً مرعباً لخصومه، في كل مباراة يضع له بصمة ساحرة، بدأ يسرق الأضواء من رونالدينهو وتشافي وغيرهما من النجوم، أصبح سلاحاً للمدرب، رئيس النادي أيضاً اهتم به وبعقده، الكل في مقاطعة كتالونيا لا يتحدثون إلا عن ميسي وموهبته، وفي موسم 2008-2009م قاد الأرجنتيني القصير فريقه إلى التتويج بالدوري الأسباني بعد أن سجل 23 هدفاً، ليس كذلك فحسب بل إنه ساهم بقوة في تحقيقه دوري أبطال أوروبا عقب أن سجل تسعة أهداف حاسمة، وفي الموسم التالي أبقى ميسي اللقب الأسباني برشلونياً بعد أن سجل 34 هدفاً كما حافظ على اللقب الأوروبي مع برشلونة وساهم في ذلك بتسجيله 12 هدفاً، وعاد اللاعب الأسطورة ووضع بصمته مجدداً وحافظ على لقب الليغا للمرة الثالثة على التوالي بتسجيله 31 هدفاً، وبالرغم من تسجيله 50 هدفاً في موسم 2011-2012م إلا أن ميسي لم يتوج بلقب الدوري للمرة الرابعة على التوالي. ميسي أذهل العالم بإمكانياته الساحرة حتى أن كرة القدم أصبحت لا تتحدث إلا عنه، لم يبق أرقاماً إلا وحطمها ولا جوائز إلا ونالها وتوج بها وسحب البساط من أقرانه، بل لا نبالغ إن جزمنا بأن لاعبي هذا الزمان ظلموا لأنهم مارسوا كرة القدم في عهد هذا القصير المكير الذي لم يترك لهم مجالاً للتفوق عليه، مارادونا قال عنه: " لقد رأيت اللاعب الذي سيرث مكاني في كرة القدم الأرجنتينية واسمه ميسي"، وفي عز دهشته بأداء ميسي خلال تعليقه على إحدى المباريات قال عصام الشوالي: "انا الذي نظر العاشق لقدمي وأطربت مراوغاتي من به عقد، ووصلت أهدافي لمن يعشق الطرب، أنا ميسي كبيرهم على صغري، أنا ليو عارض المتعة في عالم القدم". مشوار ميسي مع برشلونة كان حافلاً بالبطولات إذ توج معه ب 21 بطولة محلية وقارية وعالمية، ولم تصعب عليه أي من البطولات التي لعبها إذ توج بها جميعها، الدوري الأسباني (ست مرات)، وكأس الملك (مرتين)، وكأس السوبر الأسباني (ست مرات)، ودوري أبطال أوروبا (ثلاث مرات)، وكأس السوبر الأوروبي (مرتين)، وكأس العالم للأندية (مرتين). ولم يُبل ميسي حسناً مع منتخب بلاده بالرغم من مشاركاته المتعددة إذ لم يفلح سوى في التتويج مع منتخب الشباب بكأس العالم (2005م) ومع المنتخب الأولمبي بذهبية أولمبياد بكين (2008م)، وتُعد هذه المشاركة هي الثالثة لميسي في تاريخ كؤوس العالم إذ سبق له وأن شارك في مونديال 2006م كأصغر لاعب (19 عاماً)، ومونديال 2010م، وفي المونديالين لم يسجل سوى هدف يتيم. على الصعيد الشخصي يُعتبر ليونيل ميسي هو اللاعب الوحيد في تاريخ كرة القدم الذي فاز بجائزة أفضل لاعب في العالم أربع مرات (2009-2010-2011-2012م)، كما حقق إنجازات وجوائز عدة لن تكفي المساحة لإحصائها وذكرها. ميسي الذي وصفه مواطنه اللاعب السابق فالدانو بأنه عبقري القرن ال21 صرح قبل انطلاقة المونديال بأنه يشعر بالظلم من الأرجنتينيين لأنهم يتهمونه باللعب مع برشلونة أفضل من المنتخب، بل دحض تلك الافتراءات بقوله: "دائماً ما كنت أقول إنني مستعد للتضحية بكل ألقابي وأرقامي القياسية في سبيل الحصول على لقب كأس العالم وإسعاد جماهير بلادي، أنا أثق بقدرتنا على تحقيق ذلك الحلم"، كما شدد على أنه تعلم من أخطائه في النسختين الماضيتين وسيصححها في المونديال الحالي. بلا شك الجماهير الأرجنتينية لا تريد من ميسي مثل هذه التصريحات في الإعلام فهي تطمح في أن يرد الفتى الأرجنتيني عليهم في المستطيل الأخضر وأن يقود منتخب بلاده لتحقيق المونديال مثلما ملأ خزينة البرشا بالألقاب والبطولات المتنوعة، ويبدو أن ميسي يضع هذا الأمر بعين الاعتبار خصوصاً وأن الأشهر التي سبقت المونديال لم يظهر خلالها بمستواه المعهود مع البرشا وهو ما جعل الجميع يتنبأ بأن ميسي مهتم بهذا المونديال إلى أبعد مدى.