غريبة فعلاً تلك المصادفة! النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي يمنح جائزة أفضل لاعب، بعد ساعات من ابداء استيائه وغضبه الشديد من الانتقادات الصادرة من بلاده، ومفادها أنه لا يشعر بأنه أرجنتيني. وقال ميسي المتألق في صفوف برشلونة الإسباني، الذي حصد هذا الموسم ستة ألقاب آخرها بطولة العالم للأندية، خلافاً لمستواه مع منتخب بلاده حيث يواجه انتقادات كثيرة نظراً إلى عروضه المتواضعة مع المنتخب في تصفيات كأس العالم, في حديث لصحيفة "الباييس" الاسبانية: "أغضب كثيراً عندما أسمع بأنهم يقولون إنني "لا أشعر"بأنني أرجنتيني. لا شيء يزعجني سوى انهم يقولون بأنني لست أرجنتينياً". وزاد: "صحيح إنني اعيش في كاتالونيا, لكني أشعر بأنني أرجنتيني. لا يهمني الأمر عندما ينادونني ب"الكاتالوني" لكنني أغضب كثيراً عندما يعتقدون بأنني لست أرجنتينياً". وفي الموقف الأرجنتيني تناقض كبير، فميسي يفاخر دائماً بجنسيته بينما "مواطنه" ألفريدو دي ستيفانو سبقه إلى هذا الإنجاز عامي 1957 و1959 حين كان يدافع عن ألوان ريال مدريد ومنتخب إسبانيا. لكن "العامة" من الشعب الأرجنتيني لا يعنيها من إنجازات "القزم العملاق" إلا ما يجب تحقيقه مع المنتخب، وقد وجدت الصحافة الأرجنتينية في تلك المسالة "ثغرة ذهبية" لتضرب على الوتر الحساس قبل نحو ستة شهور من استحقاق المونديال الذي تأهل له ال"السيليساو" من خرم الإبرة. br / موقف ميسي ودفاعه في وجه "حملة أهل بيته"، تبددت سريعاً بعد ساعات، حين أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" منحه لقب "أفضل لاعب في العالم لعام 2009" في ضوء استفتائه السنوي. وتنافس ميسي على اللقب مع زميليه في الفريق الكاتالوني الإسبانين اندريس انييستا وتشافي هرنانديز ولاعبي غريمه ريال مدريد, البرازيلي كاكا حامل اللقب عام 2007 والبرتغالي كريستيانو رونالدو أفضل لاعب لعام 2008. وبات ميسي أول أرجنتيني يُختار أفضل لاعب في إستفتاء ال"فيفا" وثاني أصغر لاعب يحرزه بعد البرازيلي رونالدو الذي توج للمرة الأولى وهو في سن العشرين عام 1996. و"تتويج" ميسي لم يكن خارجاً عن المألوف، إذ أضاف اللقب على غرار معظم من سبقوه, إلى جائزة "الكرة الذهبية" التي تمنحها مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية المتخصصة والتي حصل عليها في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وحصد ميسي (22 سنة) اللقبين واقعي جداً و"عادل" بعد الإنجازات التي حققها مع فريقه في الموسمين الماضي والحالي إذ أسهم في قيادته إلى "سداسية نادرة" في عام واحد: الدوري والكأس والكأس السوبر في إسبانيا ودوري أبطال أوروبا والكأس السوبر الأوروبية... وأخيراً بطولة العالم للأندية التي أجريت في أبوظبي. وسجل ميسي الموسم الماضي 23 هدفاً في الدوري الإسباني, و9 أهداف في البطولة الحالية, وتوج هدافا لدوري أبطال أوروبا 2008-2009 برصيد 9 أهداف أيضاً. وتخطت أهدافه ال92 هدفاً في 178 مباراة مع برشلونة في مقابل 13 هدفاً في 44 مباراة مع منتخب الأرجنتين سلّم نجاح "الولد الرهيب" وأكدّ ميسي انه قادر على التألق عالمياً وتحمّل الضغوط على رغم عمره الصغير. لقد مضت أربع سنوات على توقع المدرب الأرجنتيني دييغو مارادونا أن يكون مواطنه الصغير الحجم والكبير من حيث المستوى الفني, خليفته على المستطيل الأخضر. بدأ ميسي مسيرته مع نيولز أولد بويز في الأرجنتين و سبق أن وقّع صغيراً في صفوف روزاريو فتفادى اهله مشكلة تكسير بلاط الجدران في المنزل جراء تسديده الكرة نحوها! لكن سرعان ما لفت انتباه برشلونة الذي نقله مع عائلته إلى إسبانيا عارضاً عليه نفقة العلاج الطبي لمداواته من نقص في هورمونات النمو لديه في مقابل التوقيع على كشوفات النادي الكاتالوني. ويقول والد ميسي خورخي لصحيفة "ليكيب" الفرنسية: "من دون هورمونات النمو هذه, لكان طول ليونيل 1.50 م في أفضل الأحوال لدى بلوغه سن الرشد (طوله حالياً 1.69 م ووزنه 67 كلغ)". ويتذكر شارلي ريكساش مدير مركز إعداد المواهب في برشلونة، أن الفتى الصغير كان يتلاعب بزملاء يفوقونه طولاً وبنية على غرار "لعبة بيبي فوت". وتسلّق ميسي سلم النجاح بسرعة البرق بداية من موسم 2004-2005 وقاد منتخب بلاده للفوز بكأس العالم للشباب, وأصبح بعدها عنصرا رئيساً في تشكيلة برشلونة, على رغم غيابه عن خوض نهائي دوري أبطال أوروبا المظفر عام 2006 أمام آرسنال الإنكليزي بعد عودته من الإصابة. وعوض "الولد الرهيب" هذا الغياب في أيار (مايو) الماضي عندما قاد برشلونة إلى لقبه الأوروبي الثالث مسجلاً هدفاً رائعاً برأسه, في شباك حارس مانشستر يونايتد العملاق الهولندي أدوين فان در سار على ملعب روما الأولمبي. قام ميسي بدور فاعل خلال مسيرة برشلونة الناجحة في المحافظة على لقب الدوري الإسباني وفي الفوز بكأس ملك أسبانيا, وعبدت مهاراته الرائعة وقدرته المخيفة في السيطرة على الكرة الطريق له لإحراز الكرة الذهبية بعمر ال22, ليخلف البرتغالي كريستيانو رونالدو صاحب المركز الثاني في الترتيب, وبعد يومين على مواجهة الغريمين برشلونة وريال مدريد (1- صفر), حيث قدم ميسي أداء مدهشاً على أرض الملعب, في حين إكتفى رونالدو العائد من إصابة بإهدار فرصة ثمينة أمام مرمى الحارس فيكتور فالديز. وعلى رغم التنافس على لقب أفضل لاعب في العالم بين ميسي ورونالدو, إلا أن طباع اللاعبين تبدو مختلفة, ففي حين يتصدر رونالدو أغلفة المجلات التي تكون بمعظمها غير رياضية ولها علاقة بحياة الترف الصاخبة, يبقى ميسي شخصاً متواضعاً يترك قدميه تتحدثان نيابة عنه أمام دفاعات الخصم المرتعبة منه. وبحسب والده أيضا, فان الناس "كانت تدفع الأموال لمشاهدته يلعب مع نيولز" في صغره, ليستمر في صعوده الصاروخي, إذ أصبح بعدها أصغر لاعب يسجل في الدوري الإسباني بعمر 17 سنة 10 أشهر وسبعة أيام عندما هز شباك ألباسيتي في 1 أيار 2005. وأدرك برشلونة سريعاً إنه يملك ثروة بين يديه, وهو النادي الذي ضم سابقاً عمالقة أمثال مارادونا, الهولندي يوهان كرويف والبرازيلي رونالدو, فمدد عقده مرتين حتى عام 2014 وحدد سعر التخلي عنه ب150 مليون يورو, لكن كثراً يعتقدون أن النادي الكاتالوني لا يمكن أن يفترق عن هذه الماسة الكروية بأي سعر كان, خصوصاً أن سلوكه حتى الآن بقي جيداً مقارنة مع البرازيلي رونالدينيو لاعب وسط الفريق السابق وبطل الليالي الحمراء. وكتبت صحيفة "ال موندو ديبورتيفو" المتخصصة عن ميسي: "يملك قدم مارادونا اليسرى, إيقاع كرويف وتمريرة رونالدينيو القاتلة". وكان لافتاً أنه حافظ على إيقاع لعب برشلونة على رغم مغادرة رونالدينيو والمهاجم الكاميروني صامويل ايتو إلى ميلان وإنتر ميلان الإيطاليين على التوالي, لكن لا بدّ من القول أنه يلقى دعماً هائلاً من ثنائي الوسط هرنانديز وانييستا, كما وجد في السويدي زلاتان ابراهيموفيتش لاعباً رائعاً وهدافاً نادراً. وتتضمن أبرز محطات ميسي مع برشلونة ثلاثيته في مرمى ريال مدريد (3-3) عام 2007 في ملعب "نوكامب", والهدف الخرافي الذي راوغ فيه لاعبي نادي خيتافي على طريقة هدف مارادونا في مرمى إنكلترا في كأس العالم 1986، وحسمه لقب بطولة العالم للأندية أخيراً بتسجيله هدف الفوز في الدقيقة 110 عندما سبح لكرة عالية من الجهة اليمنى وتابعها بصدره في مرمى أستوديانتيس الأرجنتيني (2 – 1) مانحاً فريقه اللقب الذي يبحث عنه منذ أعوام. ويبقى تألق ميسي مع منتخب الأرجنتين هو "الرهان المقبل", ولا شك انه مستعد لاستعادة كأس العالم التي أحرزها مارادونا عندما كان لاعباً عام 1986 في مونديال المكسيك, خصوصاً أن المدرب خوسيه بيكرمان أبقاه على مقاعد البدلاء في ربع نهائي المونديال الأخير أمام ألمانيا الفائزة بركلات الترجيح. ويلفت لاعبون دوليون سابقون أمثال سيرجيو باتيستا إلى أن ميسي يفتقد إلى الإنسجام مع منتخب الأرجنتين وكأنه "غريب عن صفوفه" نظراً لفترة التجمّع القصيرة التي لا تتعدى خمسة أيام. ويوضح: "يشغل ميسي مركز الجناح الأيمن في برشلونة. ويعهد اليه مارادونا موقعاً على الخط ذاته مع تيفيز وأغوييرو وهيغوين. مجموعة تفتقد إلى صانع ألعاب مثل ريكيليمي، فيتوه في محاورة غير مجدية". ويؤكد مراقبون أن ميسي "أكثر نضوجاً من مارادونا في سنه" وإن اختلفت ظروف اللاعبين مع فرقهما (خصوصاً ميسي مع تشكيلة برشلونة الخارقة، ومارادونا مع نابولي الإيطالي في أواخر ثمانينات القرن الماضي). "أبوه الروحي" المدرب خوسيبي غوارديولا "بيبي" يؤكد "أنه الأفضل في العالم". ويضيف: "عندما يكون سعيداً يبدع في الميدان". وخارجه يتابع ميسي التنس وكرة السلة قليلاً من خلال التلفزيون، ويتفادى مشاهدة مباريات كرة القدم مفضلاً لعبها بواسطة ال"بلاي ستايشن". "مرتا التاريخية" دخلت البرازيلية مرتا (23 سنة) التاريخ من الباب الواسع باختيارها أفضل لاعبة في 2009 وللمرة الرابعة توالياً، متفوقة على الألمانية بريجيت برينتس (3 مرات متتالية 2003-2005) لتنفرد بالرقم القياسي بين الرجال والسيدات. وتنافست مرتا التي حلت ثالثة عام 2004 ثم ثانية عام 2005, مع مواطنتها كريستيان والألمانياتين برينتس واينكا غرينغز والإنكليزية كيلي سميث، في الاستفتاء الذي يشارك فيه عادة قادة المنتخبات للرجال والسيدات ومدربوها.