هناك تعارض خفي بين كثير من المستجدات وبعض الأسماء في المجتمع، تظهر للناس التطور والأثر الإيجابي، وفي العمق تعارض وتضارب غير منطقي حوّل الأقوال والأفعال على أرض الواقع، إلى مراتب بعضها أقوى من بعض دون نتائج مرضية، ما جعل الحضور اعتباطيا في هذه الحالة، يؤثر في قناعات العامة، وهذا ما يجعلنا نشاهد منازل صنعت من كرتون وفي شكلها الظاهر قلاع محصّنة، هل التصنيف ظالم، أم أنه الشر تلبس الناس، كما يتلبس الشيطان الإنسان؟ إن ما يؤكد هذا التوازي، هو الحضور المشروط الذي أفقد الخصائص أثرها، وغيّر مفهوم الأمثلة والأداة والمضمون، فهناك إذن، تماثل وتباين وتعاون بين الأجندة فقط، بينما الأسماء في استثمار شخصي مستمر، فالظهور والتشابه سطحي، ولن نقحم الصفات في التفاصيل، قبل معالجة هذين الافتراضين، ونموذج الاختلاف الذي صنع عوالم مختلفة ومتنوعة، وحقق مقتضيات معنوية للمجتمعات والدول، ولكن على الصعيد المحلي والاجتماعي الخلاف رجحت كفته على الاختلاف، إذن، نحن بصدد خلاف وليس اختلاف. إن المرء أضحى أمام صور محيّرة، والأحداث التي رصدتها المواقع مؤخراً دليل على ذلك، كالفوضى التي قام بها أطفال المدارس، للتعبير عن مظاهر الفرح، أو هو تعبير عن التحرر من قيود الدراسة، وآخرون يحطمون كل ما يوجد حولهم، هل الخلل في الطفل أو في سياسة البيت والمدرسة، أم هو العنف الذي تربع على عرش الطفولة، أخبرونا ماذا حدث لهم ؟ إننا نعاني من أزمة حقيقية، وهاهم أطفال الأمس تركوا الألعاب والأحلام، والساحات الطينية، والكرة القديمة، تتقاذفها أمواج الرياح في كل الاتجاهات، لقد غابت تلك الأقدام الصغيرة السمراء، عن الملاعب والأرصفة وغادرت إلى ميادين القتال، حاملين معهم أفكارهم المدججة، والمعلومات المشوشة، واخترعوا حياة غريبة مُلئت الفراغات فيها بالظلام، وانفصلوا عن الحياة الأسرية البسيطة، وفي رؤوسهم ذلك الفكر الممجوج الذي دشن مشروعيته ثلة من الناس، قبحوا كل الأشياء الجميلة في الحياة. لماذا أيها الشاب الطيب خفت صوتك، وسكنت ضحكاتك، وتبعثرت أدواتك هنا وهناك من البيت، ولماذا تخليت عن كل الأشياء حولك، وتجاهلت نبرات الصوت الحنون الذي داعب مسمعك كلما تأخرت، وأخفقت ونجحت، لماذا تنتقم من عنف أبيك ومعلمك، وتهجر أمك، وتسعى جاهدا إلى التهلكة؟ هل رفضت قسوة الشتاء بمعاقبة الربيع؟ لماذا حذفت نفسك واسمك من قائمة الأسرة، وسرت نحو المجهول دون صواب، هل علمت أن الجنة في إرضاء والديك وبرهما، وتجاهلت حسرة أمك التي أوصى بها محمد رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ثلاثاً، هل جنة شيوخك الذين حرضوك غير جنة محمد رسول الله؟ وهل استوفيت شروط الجهاد وأخذت موافقة ولي أمرك؟ لو أرادوا لك الجنة لأمروك بتمام الشروط والأركان. أنت أيها الشاب المسلم محرّض لقتال مسلمين مثلك، تحارب دبابات ومدافع وأسلحة فتاكة تحصد الأرواح على بعد عشرات الأميال، لماذا تنازلت عن أحلامك العظيمة والطائرة الورقية التي صنعتها وركضت خلفها، تيمنا بمستقبل طيار يجوب العالم، بهندام جميل ومظهر أنيق، أو تلك السفينة التي شاهدت دورانها في بركة سباحة لساعات طويلة، وفي ذهنك ذلك البحار الذي يسحره الغروب ويغمره الشروق بالأمل . أخبرنا بربك لماذا تركت أهلك ووطنك لكي تُقتل من أجل آخرين لا تعلم عنهم شيئاً، لماذا أقحمت وطنك في رهان خاسر، وارتديت درع الإرهاب في نظر العقل والناس، تكفر من يعارضك وتنشق نحو غريب وضعك هدفاً لتخطيط فاشل، لم تكن لتغير الطريقة يا هذا بل هي نفس الطريقة التي أوجدت الإرهاب على أرضنا، ألم تعلم كم عدد السجناء من المقاتلين من مواطنيك في سجون العراق وغوانتانامو؟ ألم تكن تعلم كم عدد الذين كانوا من مواطنيك دروعا بشرية للفصائل والأحزاب المتناحرة، ليتك سألت معلميك الذين حرضوك، عن شرعية هذا الجهاد أولا، ولكنهم للأسف كثفوا الآمال والدلائل حول الحور العين فقط، إنما هو استغلال لرغبات الشباب المكبوتة التي منعتها التقاليد القبلية والاجتماعية، من الإفصاح عنها أو الحديث حولها، ثق بأنك تذهب لكي تُقتل وتترك خلفك من يُبكيك ويلعن قناعاتك، ومن دمر عواقبك بلا رحمة أو شفقة..