ارتبط "حامد" بزوجته "عبير" منذ حوالي (13) عاماً، ولم يتشاجرا إلاَّ مرةً واحدةً طيلة هذه المدة، إذ إنَّ أمورهما كانت تبدو على أحسن حال، فالتفاهم يسود مناقشاتهما، ونقاط الاتفاق بينهما أكثر بكثير من نقاط الاختلاف، وهما يرجعان سبب ذلك ببساطة إلى ابتعادهما عن بعضهما لمدة أسبوعين كل عام، إذ يقضي كل منهما إجازة لمدة أسبوع في بداية العام، وأسبوع آخر في نهايته، واللافت أنَّ كل واحدٍ منهما يقضي إجازته لوحده بعيداً عن الطرف الآخر في مكان يختاره كل منهما بنفسه يذهب إليه بمفرده ليقضي فيه هذه الأيام متجرداً من أيّ مسؤولية أو ارتباط بالطرف الآخر، حتى لو كان ذلك عبر اتصال هاتفي بالشريك. ووصفت "عبير" هذه الإجازة بأنَّها الحد الفاصل بينها وبين أعباء نصف عام من المسؤولية والالتزام التام تجاه زوجها وأبنائها، مضيفةً أنَّها تخطط لهذه الإجازة مبكراً لتستمتع بها دون أيَّة مضايقات لتعود بعدها بنشاط متجدد سعيدة راغبة في أداء مهامها كأم وزوجة دون كلل أو ملل، مشيرةً إلى أنَّها تترك طفليها في هذه الفترة مع أبيهما وتسافر مع صديقاتها أو شقيقاتها داخل المملكة أو خارجها. وأكد "حامد" على أنَّه يخطط منذ وقت مبكر في الكيفية التي يقضي فيها هذا الإجازة؛ من أجل أن يعود إلى أسرته وهو أكثر نشاطاً وشوقاً لهم، موضحاً أنَّه ينسق مع بعض أصدقائه للقيام برحلات استكشافية ومغامرات مجنونة، مشيراً إلى أنَّهم يقضونها في تسلق الجبال والعيش في بعض الكهوف، لافتاً إلى أنَّه يعود حينها طفلاً شقياً بلا أيَّة مسؤوليات، مؤكداً على أنَّ هذه الإجازة الزوجية تُعدُّ فرصة للتخفيف من حدَّة المشاعر السلبية؛ مما يسمح للمشاعر الإيجابية تجاه الطرف الآخر بالظهور، مبيِّناً أنَّها تُعدُّ فرصة جيدة لاستعادة المشاعر الأولى المتوهجة، كما أنَّها بمثابة تجربة انفصال مؤقت تُعاد أثناءها الحسابات بين الزوجين، ويعيدان النظر في أمور علاقتهما بشكل أفضل. مصطلح حديث وأشارت "د.آمال بنت عبدالله الفريح" -باحثة تربوية بوزارة التربية والتعليم، وعضو مجلس إدارة جمعية مودة للحد من الطلاق وآثاره- إلى أنَّ مصطلح الإجازة الزوجية مصطلح حديث إلى حد كبير، موضحةً أنَّه يعني أن يأخذ كل من الزوجين إجازة عن بعضهما لمدة ساعات كأقل تقدير أو أيام، بمعنى أن تستمتع الزوجة بإجازة خارج إطار الزوجية، على أن يتحمل الزوج مسؤولية البيت والأبناء -إن وجدوا- والعكس كذلك في حالة الزوج. وبيَّنت أنَّ الإجازة الزوجية بالنسبة لها تعني أن يأخذ الزوجين إجازة مع بعضهما خارج بيت الزوجية، على أن يبتعدا سويةً عن مسؤولية الأبناء والأهل والارتباطات الاجتماعية؛ لكي يستمتعا بساعات أو أيام عسل جديدة يتاح لهما عبرها قضاء فترة استرخاء واستعادة نشاط وتجديد للمشاعر وتخفيف وتخلص من التوترات التي تنتج عن أمور الحياة الروتينية والملل وضغوط الحياة والأزمات العاطفية التي تنتج عن ذلك. الهدية تجدد المشاعر أفضل من الابتعاد طلاق صامت وقالت "د.آمال الفريح":"إن كان لابد من هذه الإجازة، خصوصاً بعد تاريخ من المشاحنات الزوجية، أو إذا كان الزوجان يمران بأزمة ما يسمى الطلاق الصامت، فإنَّ الأفضل هو أن تؤخذ هذه الإجازة تباعاً، بمعنى أن يغادر أحدهما المنزل وحينما يعود يغادر الآخر؛ حتى لا يختل توازن الأسرة والأبناء، والأهم أن يكون ذلك بالاتفاق مع الشريك، إلاَّ إن كانا سيسافران معاً"، مضيفةً أنَّ الوضوح والصراحة والحوار الهادئ أمور مطلوبة بين الزوجين، خصوصاً عند التعرُّض للأزمات الزوجية التي تتطلب حلاً مرضياً لكلا الزوجين. وأضافت أنَّه من الممكن في هذه الحالة أن يقترح أحد الزوجين على الآخر الابتعاد عن المنزل لبعض الوقت والتمتع باستراحة مؤقتة لترتيب بعض الأفكار والمشاعر، موضحةً أنَّه من السهل أن تطلب الزوجة أو تسمح لزوجها بالابتعاد لفترة قصيرة عن المنزل، بيد أنَّه من الصعوبة بمكان أن يطلب الزوج من زوجته مغادرة المنزل وترك الأبناء، مشيرةً إلى أنَّ على الزوجين أن يتحدثا مع بعضهما عن الإجازة ومدى الإفادة منها دون الخوض في التفاصيل. وأوضحت أن سبب ذلك يعود إلى أنَّ الهدف من هذه الإجازات هو التجديد والتغيير والابتعاد عن التوتر والمشاحنات، كما أنَّها تُعدُّ فرصة لاستعادة اتقاد المشاعر وليس لإطفائها، مضيفةً أنَّه من الممكن أن يكون في بعض التفاصيل ما يزعج الطرف الأخر، وبالتالي فإنَّه قد ينتج عن ذلك الإدلاء بملاحظات قد تفسد الإجازة وتفسد الغرض منها، لافتةً إلى أنَّ الزوجة في هذه الحالة مطالبة بالإدلاء بأدق التفاصيل، على عكس الزوج الذي من حقه أن يختصر ما يريد اختصاره. وتساءلت عن جدوى هذه الطريقة في مجتمعنا الشرقي؟، وعن إمكانية تقبُّل أفراده لفكرة أخذ الزوجة إجازة من بيت الزوجية؟، وعن قدرة الزوجة على ترك زوجها وأبنائها وبيتها؟، مضيفةً أنَّ الأمر قد يكون أكثر يسراً وقبولاً لدى الزوج مقارنة بالزوجة، إذ إنَّه من الممكن أن يستقطع وقتاً بعينه ليتمتع بإجازة زوجية، مشيرةً إلى أنَّ طبيعة عمله من الممكن أن تساعده في الحصول على إجازة من هذا النوع دون أن يتعرض للحرج، لافتةً إلى أنَّ بإمكانه أن يخبر الآخرين أنَّه مسافر في مؤتمر ما خارج البلاد. وبيَّنت أنَّ الإجازة الزوجية جملة مغلفة بإطار يجذب المستمع لها لتبهره، بيد أنَّ الحقيقة هي أنَّها فترة يهرب فيها الزوج من مسؤولياته تجاه أسرته وزوجته ويستغلها على حساب زوجته وأولاده، مضيفةً أنَّ من حق الزوج أن يسافر للخارج، سواءً خارج المدينة أو خارج المملكة، على عكس الزوجة التي لا تستطيع السفر إلاَّ بموافقة الزوج، وبالتالي فإنَّ الفرص هنا غير متساوية، مشيرةً إلى أنَّ فكرة وجود إجازة زوجية طبيعية ومتفق عليها بين الزوجين فكرة لا تخلو من العديد من الفوائد. حل وقائي ولفتت "د.آمال الفريح" إلى أنَّ من هذه الفوائد أنَّ الإجازة الزوجية تُعد حلاً وقائياً يمكن أن يحافظ على الحياة الزوجية ويمنع انحدارها إلى مرحلة الطلاق الصامت، مضيفةً أنَّها يمكن أن تتيح البُعد عن نمطية العلاقة الزوجية وتقييد العادات وكثرة الالتزامات الضاغطة والانغماس في الواقع، فيأتي ذلك بمثابة فُسحة يقضيانها خارج أسوار الحياة الزوجية التقليدية، مشيرةً إلى أنَّها قد تحد من مظاهر السلوك السلبي لاجتماع الزوجين دائماً في مكان واحد لفترات طويلة، الأمر الذي يولِّد الملل والرغبة بالابتعاد عن الشريك. وحذَّرت من خطورة طول مدة الإجازة الزوجية وتكرارها على العلاقة بين الزوجين، مضيفةً أنَّها قد تشير في هذه الحالة إلى عمق الخلافات الزوجية وفقر أساليب العلاج التي يتبعها كلا الزوجين، وبالتالي فإنَّه كُلَّما دبَّ الخلاف بينهما اختار أحدهما أو كلاهما أسلوب الانسحاب وأخذ إجازة زوجية مؤجلاً الحل لوقت آخر، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات غير المحلولة، مؤكدة على أنَّها قد تجعل الزوجين في هذه الحالة يعتادان الاستغناء عن بعضهما، كما أنَّ الأمر قد يتطور ليصبح تمهيداً لانفصال دائم. ودعت الزوجين إلى عدم إدراج مفهوم الإجازة الزوجية عند الأبناء ليشبوا عليه مستقبلاً، موضحةً أنَّ الجيل الحالي يتمتع بالحرية التي قد تكون مُقيَّدة لدى البعض وغير مُقيِّدة للبعض الأخر، إلى جانب انفتاحهم على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي أصبح لدينا جيل متلق، الأمر الذي يؤثر على بعض القيم لدى البعض، ومن ذلك قيم الروابط الزوجية، مبيِّنةً أنَّ الإجازات الزوجية المتكررة قد تساهم في إضعاف هذه القيم، إلى جانب ما نواجهه حالياً من ارتفاع معدلات الطلاق، إذ إنَّ من أهم أسبابها عدم تحمل المسؤولية بين الشباب والشابات. مواجهة حقيقية وأكدت "د. سحر بنت بهجت محمد" -أستاذ مشارك بكلية الآداب بجامعة الملك سعود- على أنَّ الحياة الزوجية يجب أن تمتلئ بالود والوفاء والتفاهم والإخلاص والصدق، مشيرةً إلى انَّه متى توفَّر كل ذلك فإنَّ الحياة الزوجية ستستقيم وتصبح أفضل، موضحةً أنَّ الحياة الزوجية لا تخلو من الصعوبات ولا تسلم من الضغوط، لافتةً إلى أنَّ الصراع والخلافات أمر لابد منه في العلاقات الزوجية التي يتعرَّض فيها الزوجان لعوائق تحول بينهما وبين تحقيق بعض أهدافهما من الزواج أو تحرمهما من بعض حقوقهما أو من إشباع بعض حاجاتهما. وأضافت أنَّ ذلك يؤدي بالتالي إلى توتر العلاقة بين الزوجين وتضطرب حياتهما وتتأزم أمورهما ويتسرب إليهما الملل ويبدأ معه تراكم وتعاظم المشكلات، موضحةً أنَّ سيصبح بداخلهما بمرور الوقت ضيق وغضب وإحباط وقلق دون أن يدرك كل منهما لماذا يشعر بكل هذا؟، مشيرةً إلى أنَّ ذلك يعود إلى أنَّهما تركا تلك المشكلات والضغوط والأزمات دون احتوائها جزئياً أو كلياً أو مواجهتها مواجهة حقيقية، لافتةً إلى أنَّه غالباً ما يتم التركيز على المشكلات وليس الحل، وعادةً ما ينتهي الأمر بالبحث عن الأعذار وصولاً للصلح الظاهري الذي لم يؤت بالثمار المنتظرة. ودعت الزوجين في هذه الحالة إلى أن يراجع كل منهما المواقف الإشكالية بعدالة وحيادية وموضوعية ومنطقية، مع استجابة فاعلة للتعامل مع الخلافات والمشكلات، مشيرةً إلى أنَّ ذلك هو ما تسعى الإجازة الزوجية لتحقيقه، وأضافت قائلة:"نحن نرفض في ثقافتنا العربية الشرقية فكرة الإجازة الزوجية، بيد أنَّه بالإمكان النظر إليها باعتبارها فرصة ليخلو كل من الزوجين بنفسه قليلاً ليرتب أفكاره ويسترجع طاقاته دون اللجوء للخروج من المنزل أو الابتعاد عنه". وأشارت إلى أنَّ الفرد يحتاج من آنٍ لآخر إلى الخروج عما يفعله بشكل يومي وروتيني، مضيفةً أنَّه من الضروري أن يمنح أحد الزوجين الآخر مساحةً كافيةً لممارسة هواياته أو ما يرغب بممارسته في فترات قصيرة من يومه، إلى جانب ترك المجال له ليخلو بنفسه، على أن يتعاملا مع بعضهما بذكاء، مع افتراض كل منهما حسن النية في الطرف الآخر، وأن يسعى كل منهما ليعطي الآخر دون أن ينتظر منه أيَّ مردود.