عند مقهى "الرصيف" كان يجلس "وليد" مع زوجته "سارة" وطفلهما الصغير المنشغل بفك خيوط "لعبة العنكبوت" التي كانت بحوزته، فيما كان يعطر الجو رائحة القهوة الشهية التي يحتسيها الزوجان، يتحدث "وليد" مع "سارة" عن الرجل الذي يجلس خلفهما يرسم "لوحة فنية"، وكأنه يعكف على مشروع "معرض تشكيلي"، فيما بادلته "سارة" الابتسامة لتعلق: "ربما، ولكن اعتقد أن هذه اللوحة لابنه الصغير، انظر أنه يجلس باهتمام بالقرب منه"، ويعلق وليد: "ولكن الصورة تحمل شخوصاً أكبر من أن يفهمها طفل في عمره"، قالت "سارة": "نعم"، ويعلّق "وليد": "الجو جميل، ما رأيك في أن نتمشى قليلاً"، رفع وليد رأسه وأقفل جهازه المحمول الذي كان يدردش من خلاله مع زوجته "سارة"، وكذلك فعلت هي، نهضا لينهض طفلهما الذي شعر بالملل من حوار صامت بين أبوين يشبه تواصلهما المفقود "خيوط العنكبوت"، التي كان يلعب بها والتي لم يحسن فكها!. ربما لوكان هذا الطفل أكبر قليلاً لتساءل عن سر الصمت وضياع الصوت الذي يسود نزهة بين والديه، دون أن يعي أن الحوار بينهما كان على الصامت، فهل خلقت التقنية هذا الحوار الصامت والفتور بين الزوجين؟، أم أن للحوار الصامت وفقدان الشهية بين الأزواج دور أعمق وأكبر من قضية التقنية، قضية تدور حول قيمة الحياة التي يعيشها طرفان في حياة واحدة، قيمة التواصل الإنساني الحقيقي فيما بينهما، فلماذا طال الصمت حتى طرق التواصل بين الزوجين؟، فأصبح هناك فتور وفقدان لقيمة الأحاديث فيما بينهما، وهل حقاًّ الجاني هو التقنية؟. يعاني الكثير من الأزواج من اختناق لغة الحوار والتواصل في حياتهما الزوجية، فالبعض يرى أن الحوار دائماً مفقود، في حين يؤكد البعض على أن الأحاديث المملة والروتينية هي من أوجدت الحاجز والصمت بينهما، بينما يتفق البعض أن الصمت بين طرفين ينذر بحدوث كارثة عاطفية بينهما، وضياع شيء ما، لكنه مهم!. ساعات صمت تفتقد "سهام العبدالله" كثيراً أحاديث زوجها السابقة والتي تصفها بأنها كانت ممتعة وسعيدة، فزوجها كان جداًّ قريباً منها، والأحاديث بينهما بعد أن يعود من عمله لا تنتهي، إلاّ أنه بعد دخول زوجها مشروعه الجديد أصبح هناك حوار مبتور، وساعات طويلة يقضيها زوجها بصمت معها، حاولت "سهام" كثيراً أن تكسر حاجز الصمت الذي خلق بينها وبين زوجها، لكن محاولاتها لم تنجح، فزوجها كثيراً ما ينكب على الأوراق الكثيرة حتى في الساعات التي يقضيها في المنزل، حتى أصبح الحوار بينهما محدوداً جداًّ، يتمثل في: "هل أحضر العشاء"؟، فيرد بعد قليل، أو ربما استفهم عن الأبناء: (هل ذاكروا الأولاد؟). وتتفق معها "غادة حمود" التي أصبحت تشعر أن حياتها الزوجية فارغة جداًّ، فزوجها يبقى طوال الوقت إما على تقليب المحطات الفضائية، أو على "الانترنت"، وحينما تصر أن يتحدث معها، فإنه يبادر بالجلوس معها، ولكن بحوزته هاتفه المحمول، وأصوات رنين تبادل "الدردشة" يخترق أذنيها، حتى توصلت إلى قرار أن تضيف زوجها إلى قائمة "البيبي"، لديها لتتمكن من التواصل معه!، مشيرةً إلى أنها حاولت كثيراً أن توضح لزوجها أن هناك مسافة تتسع بينهما في محدودية الحديث وتسطيح النقاش اليومي، إلاّ أنه غضب منها واعتبرها مبالغة جداًّ في وصفها!. قلّة الكلام ورأى "خالد محمد" أن الزواج حينما يتوج بتفاهم وتقارب، وكذلك توافق فكري، فإنه لا يمكن أن يصل إلى "مرحلة الفتور"، سواء كان في الحوار أو في الحياة بأكملها، مضيفاً أنه يخرج في كل ليلة مع زوجته ليمارسا الرياضة دون أن تتوقف أحاديثهما، وبعد ذلك يقود السيارة بها ليكملا أحاديثهما، حتى أنهما يكتشفان أن الوقت تأخر كثيراً، ولم يشعرا به؛ لفرط متعة الأحاديث بينهما. أما "حمد صالح" فيعيش حالة مختلفة تماماً، مبيناً أن الحوار مفقود، بينه وبين زوجته، ففي الوقت الذي يحب كثيراً الأحاديث وتبادل النقاشات بين الآخرين، بل وفتح باب التواصل في الحوار، وجد نفسه أمام زوجة تتصف بقلة الكلام، ليس فقط على مستوى الحوار وتبادل الأحاديث العامة، بل حتى على مستوى التعليقات التي تخصها أو تخص أطفالهما، مؤكداً على أن الصمت الصفة الدائمة في المنزل، على الرغم من أن زوجته امرأة مطيعة، إلاّ أن طبيعتها تتصف بقلة الكلام. سلبيات التقنية وأكد "حسن إبراهيم عين" -متخصص في علم الاجتماع بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود- على أن الفتور وعدم التجديد بين الزوجين، يقودان إلى فقدان الحوار بينهما، مضيفاً أن هناك عدة أسباب أدت إلى إحداث الصمت بين الشريكين، من أهمها "التكنولوجيا"، ووجود كلا الزوجين في "قروبات" خاصة بهما؛ ما أدى إلى عدم التجديد في الحياة الزوجية، مضيفاً أن التقارب الفكري بين الزوجين مهم جداًّ لخلق حوار متفاعل دائم وحاضر بشكل شيق، مبيناً أن التقارب الفكري لا يؤثر فقط على علاقة الزوج بزوجته، بل كذلك على علاقة الأفراد بعضهم ببعض، مشيراً إلى أن الاطلاع والدراية ومتابعة الأحداث التي تحدث في المجتمع، يفتح مجالاً واسعاً بين الزوجين للنقاش والحديث، مشدداً على الدور الذي يحدثه توافق مستوى التعليم بين الزوجين، فحينما يكون كلاهما متعلمين تعليماً عالياً أو جامعياً، يسهل حدوث التقارب في الحوار، وكذلك قتل الصمت بينهما. تجديد وتنوع وذكر "عين" أن أهم الحلول لكسر حاجز الصمت بين الزوجين يتمثل في التجديد والتنوع في الحياة الزوجية، وكذلك السفر وتبادل الهدايا، مضيفاً أن ذلك يخلق التفاعل والانسجام فيما بينهما، فلا يكون هناك الفتور الذي يأتي من الانعزال، أو الروتين الذي يتمثل في ذهاب الزوج للعمل ثم انشغاله بالذهاب إلى الأصدقاء، فيحدث الفتور في الحوار، ثم يتحول إلى مشكلة، مشدداً على أن المسؤولية مشتركة بين الطرفين، لافتاً إلى أن ثقافة الحوار والنقاش مفقودة اجتماعياً لدينا، فليس هناك اهتمام، موضحاً أن الأزواج في المجتمعات العربية يميلون إلى كثرة الصمت في الأماكن العامة، بخلاف الدول الأخرى، وكأن الحوار دخل ضمن العادات والتقاليد، مبيناً أن الزوج مع زوجته في الأماكن العامة يخشى الحديث في مطعم ما، وتلك ثقافة خلقتها العادات والتقاليد، مؤكداً على أن "الأريحية" مفقودة لدى البعض في فتح الحوار والنقاش. لا تسير بعاطفتك على جسر الحب فلن تجد أحداً في انتظارك